بوابة أحد بوموسى نيوز


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

بوابة أحد بوموسى نيوز
بوابة أحد بوموسى نيوز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجالس القرآن لفريد الأنصاري رحمه الله تعالى(1)

اذهب الى الأسفل

مجالس القرآن لفريد الأنصاري رحمه الله تعالى(1) Empty مجالس القرآن لفريد الأنصاري رحمه الله تعالى(1)

مُساهمة من طرف أبوأسامة مبارك الأربعاء يناير 05, 2011 7:27 am

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي أنزل القرآن العظيم " رُوحاً مِن أمِْرهِ " جل عُلاه! وجعله نورا يحيي به موات القلوب! ويفرج به ظلمات الكروب! ويمسح به الخطايا، ويشفي به البلايا!
وصلى الله وسلم وبارك على البشير النذير، والسراج المنير، سيدنا محمد النبي الأمي، الذي أرسله الله رحمةً للعالمين؛ فلم يزل صلى الله عليه وسلم - مذ أكرمه الله تعالى بالنبوة الخاتمة - كوكباً دُرِّيّاً، متوقدا في سماء البشرية إلى يوم الدين! (يَا أَيُّهَا النَّبِـيءُ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)(الأحزاب:45-46). وإنما أشرق نورُه عليه الصلاة والسلام بما أنعم الله عليه من جلال الوحي وجماله: هذا القرآن العظيم! فكان صلى الله عليه وسلم بذلك هُدًى للعالمين. (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(المائدة:15-16).
ذلك هو النور..! ولكنْ أين من يرفع بصره إلى السماء..؟ (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِيَ اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً)!!(الفرقان:30)
أما بعد؛
فإلى العلماء العاملين .. إلى السادة المربِّين .. إلى أهل الفضل والصلاح .. إلى دعاة الخير والفلاح .. إلى الشباب الباحثين عن وَارِدٍ من نور، يخرجهم من ظلمات هذا الزمن العصيب!.. إلى جموع التائبين، الآئبين إلى منهج الله وصراطه المستقيم.. إلى المثقلين بجراح الخطايا والذنوب مثلي! الراغبين في التطهر والتزكية.. والعودة إلى صَفِّ الله، تحت رحمة الله .. إلى الذين تفرقت بهم السبُلُ حيرةً واضطرابا، مترددين بين هذا الاجتهاد وذاك، من مقولات الإصلاح!
إليكم أيها الأحباب أبعث رسالات القرآن!
إليكم سادتي أبعث قضية القرآن، والسِّرُّ كلُّ السِّرِّ في القرآن! ولكن كيف السبيل إليه؟
أليس بالقرآن وبحِكْمَةِ القرآن جعل اللهُ - تَقَدَّسَتْ أسماؤُهُ - عَبْدَهُ محمداً بنَ عبدِ الله النبي الأمي - عليه صلوات الله وسلامه - مُعَلِّمَ البشرية وسيد ولد آدم؟ وما كان يقرأ كتابا من قبل ولا كان يخطه بيمينه!
ثم أليس بالقرآن – وبالقرآن فقط! - بَعَثَ اللهُ الحياةَ في عرب الجاهلية فنقلهم من أُمَّةٍ أُمِّية ضالة؛ إلى أُمَّةٍ تمارس الشهادة على الناس كل الناس؟
ألم يكن القرآنُ في جيل القرآن مفتاحا لعالم المُلْكِ والملكوت؟ ألم يكن هو الشفاء وهو الدواء؟ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلا خَسَارًا!)(الإسراء:82) ألم يكن هو الماء وهو الهواء لكل من كان حَيّاً - على الحقيقة - من الأحياء؟ (إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ. لِتُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ!)(يس:69-70)
ألم تكن تلاوته - مجرد تلاوته - من رجل قرآني بسيط تُحْدِثُ انقلابا ربانيا عجيبا، وخرقا نورانيا غريبا في أمر المُلْكِ والملكوت؟ ألم تتنـزل الملائكة ليلاً مثل مصابيح الثريا لسماع القرآن من رجل منهم، بات يَتَبَتَّلُ في سكون الدُّجَى، يناجي ربه بآيات من بعض سوره؟( ) ألم يقرأ رجل آخَرُ سورةَ الفاتحة على لَدِيغٍ من بعض قبائل العرب، اعتقله سم أفعى إلى الأرض، فلبث ينتظر حتفه في بضع دقائق، حتى إذا قُرِئَتْ عليه (الحمد لله رب العالمين) – التي يحفظها اليوم كل الأطفال! - قام كأنْ لم يكن به شيء قط؟( )
أليس هذا القرآن هو الذي صنع التاريخ والجغرافيا للمسلمين؛ فكان هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف؟ وكان له هذا الرصيد الحضاري العظيم، الموغل في الوجدان الإسلامي؛ بما أعجز كل أشكال الاستعمار القديمة والجديدة عن احتوائه وهضمه! فلم تنل منه معاول الهدم وآلات التدمير بشتى أنواعها وأصنافها المادية والمعنوية، وبقي - رغم الجراح العميقة جدا - متماسك الوعي بذاته وهويته!
وما كانت الأمة الإسلامية قبل نزول الآيات الأولى من (سورة العلق) شيئا مذكورا! وإنما كان هذا القرآن فكانت هذه الأمة! وكانت (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ!)(آل عمران:110)
أليس القرآن الذي نتلوه اليوم هو عينه القرآن الذي تلاه أولئك من قبل؟
فما الذي حدث لنا نحن أهلَ هذا الزمان إذن؟
ذلك هو السؤال! وتلك هي القضية!
لا شك أن السر كامِنٌ في منهج التعامل مع القرآن! وذلك هو سؤال العصر! وقد كتب غير واحد من أهل العلم والفضل حول إشكال: (كيف نتعامل مع القرآن؟)( )
ولقد أجمع السابقون واللاحقون على أن المنهج إنما هو ما كان عليه محمدe وأصحابه من أمر القرآن. فمن ذا اليوم يستطيع الصبر عليه؟ وإنما هو تَلَقٍّ للقرآن آيةً آيةً، وتَلَقٍّ عن القرآن حِكْمَةً حِكْمَةً! على سبيل التخلق الوجداني، والتَّمَثُّلِ التربوي لحقائقه الإيمانية العُمُرَ كلَّه! حتى يصير القرآن في قلب المؤمن نَفَساً طبيعيا، لا يتصرف إلا من خلاله، ولا ينطق إلا بحكمته! فإذا بتلاوته على نفسه وعلى من حوله غَيْرُ تلاوة الناس، وإذا بحركته في التاريخ غير حركة الناس!
وهكذا صنع الرسول صلى الله عليه وسلم - بما أُنْزِلَ عليه من القرآن آيةً آيةً - نمَاذِجَ حوَّلَتْ مَجْرَى التاريخ! (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْـزِيلاً)(الإسراء:106) فلم تكن له وسائل ضخمة ولا أجهزة معقدة! وإنما هي شِعَابٌ بين الجبال، أو بيوتٌ بسيطة، ثم مساجدُ آمنة مطمئنة! عُمْرانُهَا: صلاةٌ ومجالسُ للقرآن! وبرامجها: تلاوةٌ وتعلمٌ وتزكية بالقرآن! بدءا بشعاب مكة، ودار الأرقم بن أبي الأرقم، وانتهاءً بمسجد المدينة المنورة، عاصمة الإسلام الأولى، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام! كانت البساطة هي طابع كل شيء، وإنما العظمة كانت في القرآن، ولمن تَشَرَّبَ – بعد ذلك - روحَ القرآن!
هكذا كانت مجالسُه صلى الله عليه وسلم ثم مجالسُ أصحابه في عهده، ومن بعده، عليه السلام مجالسَ قرآنيةً، انعقدت هنا وهناك، وتناسلت بصورة طبيعية؛ لإقامة الدين في النفس وفي المجتمع معا على السواء، وبناء النسيج الاجتماعي الإسلامي من كل الجوانب، بصورة كلية شمولية؛ بما كان من شمولية هذا القرآن، وإحاطته بكل شيء من عالم الإنسان! وذلك أمر لا يحتاج إلى برهان. واقرأ إن شئت الآية المعجزة! ولكن بشرط: اقرأ وتَدَبَّرْ! تَدَبَّرْهَا طويلا! وقِفْ عليها مَلِيّاً! حتى بعد طَيِّ صفحات هذه الورقات! فيا أيها المؤمن السائر إلى مولاه! الباحث بكل شوق عن نوره وهداه! أبْصِرْ بقلبك - عساك تكون من المبصرين - قولَه تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمُ ءايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ!)(آل عمران:164)
ولك أن تشاهد هذه الْمِنَّةَ العظمى من خلال عديلتها، وهي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمُ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ)(الجمعة:2).
نعم! هذه هي الآية، وإنها لعَلاَمَةٌ وأيُّ علامة! فلا تَنْسَ الشرط!
تلك إذن كانت رسالة القرآن، وتلك كانت رسالة محمد عليه الصلاة والسلام!
فيا أتباع محمدe! يا شباب الإسلام! ويا كهوله وشيوخه! يا رجاله ونساءه! ألم يئن الأوان بعد لتجديد رسالة القرآن؟ ألم يئن الأوان بعد لتجديد عهد القرآن؟ وإنما قضية الأمة كل قضيتها ههنا: تجديد رسالة القرآن! (أَلَمْ يَانِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ؟ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الاَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)؟!(الحديد:16)
فيا أيها الأحباب! لنعد إلى مدرسة رسول الله صلى الله عليه وسلم! لنعد إلى مدرسة القرآن! ومجالس القرآن! على منهج القرآن! صافية نقية! كما شهد عليها اللهُ جلَّ جلالُه في جيل القرآن، لا كما تلقيناها مشوهة من عصور الْمَوَاتِ في التاريخ!
من أجل هذا وذاك إذن كانت هذه الورقات. غايتها بيان منهج الاشتغال بكتاب الله، وكيفية إعادة بناء الأنفس على وِزَانِه، وَوِفْقَ مقاييس تصميمه! فلا تتخذها مَشْغَلَةً لك عن القرآن العظيم! ولا حاجبةً لك عن مكنون دُرِّهِ الكريم! بل خذها آلةَ استبصارٍ فحسب! كسائر آلات فقه الدين، مستقاة من كتاب الله رأساً! فإنما هي آيات تربطك بآيات، على نوع من التدريج إلى خوض بحر القرآن! حتى إذا وصلتَ - أخي الحبيب – إلى الغاية، وحصل لك الإبصار بالآيات مُباشَرَةً، وبدأت تكتسب حقائق الإيمان مُشَاهَدَةً؛ فدع عنك هذه الوريقات وأمثالها جانبا! فما كان ليكون بين الله وعبده مِنْ وسيط! كيف لا؟ وقد قال لمن هو خيرٌ مني ومنك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ. فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِيَ لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ!)(البقرة:186).
وإنما كتبنا ههنا ما كتبنا من كلمات؛ استجابةً لرغبةٍ ملحةٍ من بعض محبي القرآن العظيم، ورواد مجالسه العامرة؛ من بعدما صدر كتيبنا السابق: (بلاغ الرسالة القرآنية)؛ فكان له ما كان – بفضل الله – من الأثر في لفت الانتباه إلى منهج القرآن، ومدرسته الربانية العظيمة؛ فحدثت يقظة لدى بعض أهل الخير، نبهت أرواحهم إلى حياض الروح المتدفقة من شلال القرآن! فرغبوا مني كتابة ورقات قلائل، تشبه أن تكون "دليلا عمليا"؛ لمساعدة من لا خبرة له سابقة في تدارس القرآن وتدبره، وتشرح الخطوات المنهجية بصورة مبسطة، وسهلة؛ حتى يَعِيَها كلُّ قارئ ومستمع؛ رغبةً في تعميم الاشتغال بالقرآن، والرجوع إليه لتربية الفكر والوجدان، وتمتين نسيج المجتمع على مِنْسَجَةِ الإيمان. وكذلك كان، والله المستعان!
ومن ثَمَّ جاء هذا الكتاب منقسما إلى قسمين:
القسم الأول: هو عبارة عن "مدخل إلى مجالس القرآن"( )، القصد منه بيان أهمية هذا المشروع الدعوي؛ بما هو منهاج قرآني صرف، يتخذ كتاب الله مورده الرئيس. منه يتلقَّى نورَه وهداه، وعليه يبني قواعدَه ورُؤَاه. كما أنه موضوع منهجيا لبيان الصورة العملية لإقامة "مجالس القرآن" بكل تفاصيلها الجزئية.
ورغم أن مادة هذا المدخل لا تعدو أن تكون جمعا لمقالات كتبتها من قبل، وفقرات جمعتها من هنا وهناك( )؛ فإن لها ههنا تميزا خاصا، وهو أنها رُتِّبَتْ خطواتُها، وفُصِّلَتْ بصورة "تقنية" متدرجة، مع شروح وإضافات جديدة، قابلة للتصريف العملي في المجتمع بصورة تلقائية. ثم إيراد بعض النصوص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما فيه زيادة بيان للمنهج التطبيقي لإقامة هذه المجالس. ولذلك جاءت أشبه ما تكون بـ"الدليل المرشد" إلى مجالس القرآن الكريم.
القسم الثاني: هو عبارة عن نموذج تطبيقي لمدارسة القرآن الكريم، من خلال بعض سوره، ومحاولة لتقديم صورة عملية لكيفية تَلَقِّي "الْهُدَى المنهاجي"، الذي تتضمنه السور المختارة من خلال آياتها وكلماتها. فجاء هذا القسم بيانا عمليا لما يُرْجَى أن تسير عليه "مجالس القرآن"، من تلقي رسالات الهدى الواردة بكتاب الله؛ عسى أن ينال الْجُلَسَاءُ المتدارِسون من بركات هذا القرآن خُلُقاً ربانيا، يجعلنا وإياهم - بتوفيق الله - على هُدًى من ربنا، في أمر ديننا ودعوتنا، تأسيا بمن (كانَ خُلُقُهُ القُرآن)( ) عليه أفضل الصلاة والسلام.
ولقد يسر الله إنجاز مدارسات لسور أربع، هي: الفاتحة، والفرقان، ويس، والحجرات. وقد جاء اختيار هذه السور لحكمة تربوية، وموافقات ربانية، ذكرناها مفصلة بمحلها من التمهيد، الذي قدمناه بين يدي المدارسات - في القسم الثاني من هذا الكتاب – حيث شرحنا المصطلحات المفتاحية، التي اعتمدناها في جميع المدارسات بصورة ثابتة.
هذا، وقد جعلنا سيماء هذا الكتاب بعنوان مركزي هو: (مجالس القرآن)، ثم ذيلناه بعنوان هامشي هو: (مُدارَساتٌ في رسَالاتِ الْهُدَى من التَّلَقِّي إلى البَلاَغ)؛ وذلك لبيان أن "المجالس القرآنية" – على ما شرحنا من أوصاف وشروط – هي القضية المركزية في تجديد الاتصال بالوحي، والتلقي للهدى الرباني، وأنها المسلك الذي عليه الرهان اليوم - كما كان قديما – للخروج بالأمة من هذا النفق المظلم الذي تتخبط فيه! فمجالس القرآن هي سفينة النجاة إلى بَرِّ الأمان إن شاء الله. فهي وسيلة وغاية في ذاتها ككثير من العبادات في الإسلام، غايةٌ يُعبد الله بها ابتداءً، ووسيلةٌ إلى إصلاح النفس والمجتمع؛ ولذلك فقد اجتمع فيها الخير كله. وبما أنها هي جوهر هذا المشروع الدعوي الذي نقدمه في هذا الكتاب؛ فقد جعلناها عنوانَه الرئيسَ وسِيمَاءَهُ الكبرى. وأما العنوان التابع فهو لبيان أن طبيعة هذه المجالس عبارةٌ عن مُدَارَسَاتٍ في رسالات القرآن، التي هي رسالات الهدى الرباني. فالتدارس هو سبيل الربانية، كما في قوله تعالى: (وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تَعْلَمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)(آل عمران:79). والربانية عندما تصبح سِمَةً غالبة في المجتمع فتلك هي العلامة الكبرى على تحوله الجذري، وارتقائه من جديد إلى مقام "الخيرية" الشاهدة على الناس! (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ!)(آل عمران: 110).
ولا يكون ذلك كله إلا بتداول القرآن العظيم في المجتمع عبر مجالسه الموصوفة، بما تتضمنه من خطوات منهجية؛ تلاوةً وتزكيةً وتعليماً، ثم قياماً بوظيفة البلاغ والدعوة إلى الله، أمانةً على عاتق كل من تَلَقَّى عن الله هُدَاهُ! فالأمة اليوم إنما هي في حاجة إلى من يحسن التلقي عن الله ورسوله، ويَبْلُغُ في ذلك أعلى منازل الاستجابة لنداء الهدى، ألاَ وهي منـزلة التعلُّمِ والتعليم؛ فيكون منتفعا ونافعا! وذلك هو منطوق الحديث النبوي الجامع لحكمة هذا المجال، قال صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ ما بَعَثَنِي الله به من الهُدَى والعِلْمِ كَمَثَلِ الغَيْثِ الكثير، أصَابَ أرضاً فكَانَ منها طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ؛ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ والعُشْبَ الكثير. وكانتْ منها أَجَادِبُ أمْسَكَتِ الماءَ؛ فنَفَعَ اللهُ بها الناسَ، فشَرِبُوا وسَقَوْا وزَرَعُوا. وأصابَ منها طائفةً أخرى إنما هي قِيعَانٌ لا تُمْسِكُ ماءً ولا تُنْبِتُ كَلأً ! فذلك مَثَلُ مَنْ فَقُهَ في دِينِ الله ونَفَعَهُ ما بعثني الله به؛ فَعَلِمَ وعَلَّم! وَمَثَلُ مَنْ لم يَرْفَعْ بذلك رَأْساً، ولم يَقْبَلْ هُدَى اللهِ الذي أُرْسِلْتُ به!)( )
تلك هي الفكرة التي انبنت عليها ورقة هذا المشروع، فإن أصبتُ في منهج التدليل على التزود من كتاب الله، لتجديد الدين والإيمان فالحمد لله، وإن أخطأتُ فالغاية واضحة، وأستغفر الله! وإنما المقصود هو العودة إلى القرآن! وإنما الاجتهاد هو في منهج التوظيف والتنـزيل! فلا يكن خطئي في منهج التوجيه والبيان صارفا لك عن حق اليقين، الذي هو هذا القرآن العظيم! (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)(الإسراء:9).
تلك غايتنا، والله ولينا، عليه وحده - جَلَّ وعَلا – توكلنا، وإليه أنبنا، وإليه المصير! (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤوفُُ رَّحِيم)(الحشر:10).
البقية في الصفحة القادمة
أبوأسامة مبارك
أبوأسامة مبارك
Admin

عدد المساهمات : 439
تاريخ التسجيل : 24/12/2008
العمر : 53

https://tiabinet.forumactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى