بوابة أحد بوموسى نيوز


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

بوابة أحد بوموسى نيوز
بوابة أحد بوموسى نيوز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مجالس القران الكريم لفريد الانصاري رحمه الله تعالى(3)

اذهب الى الأسفل

مجالس القران الكريم لفريد الانصاري رحمه الله تعالى(3) Empty مجالس القران الكريم لفريد الانصاري رحمه الله تعالى(3)

مُساهمة من طرف أبوأسامة مبارك الأربعاء يناير 05, 2011 7:45 am

« مَجَالِسُ القرآنِ » مِفْتَاحُ الْمَشْرُوع
منهجُ تَدَارُسِ القرآن بِمَجَالِسِ القرآن كان لذلك الزمان، وهو لهذا الزمان، منهجٌ دائمٌ متجدد، لا يبلى ولا يتقادم أبدا! لأنه ببساطة هو نفسُه منهج القرآن! بلا زيادة ولا نقصان! كما سترى بحول الله، وإنما القرآن كلام الحق جل علاه! وكفى بالقرآن منهجاً لمن كان على نور من ربه! (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ. تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ. ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ. وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)(الزمر:23).
هذا مشروع " مَجَالِس القرآن ": مدرسة شعبية لنشر ثقافة القرآن، وبناء أخلاق القرآن، ودعوةٌ لتداول القرآن في السلوك الفردي والاجتماعي، من خلال الإقبال العام الشعبي على تعلم القرآن، وتدارس القرآن، وفتح "صالونات القرآن" داخل الأسر، وبين الأصحاب؛ لتقديم كؤوس الذِّكْرِ للأهل والأحباب والأقارب والجيران! ولا أحلى ولا ألذ من موائد القرآن، ومجالس التدارس الميسَّر لسوره وآياته بين يدي الرحمن!
مشروع "صالونات القرآن" أو "مجالس القرآن": مسلكٌ تربوي مبَسَّط؛ لسلوك طريق النور؛ قصد التعرف إلى الله! مشروعٌ ليس لنا فيه من الاجتهاد إلا الجمع والترتيب، ومراعاة التنـزيل في واقع جديد! نأخذه كما هو من القرآن والسنة النبوية. مشروعٌ لا مِنَّةَ فيه لأحد، إلا لله! ولا فضل فيه لمبدع أو مخترع، وإنما هو كلام الله! ولا انتماء فيه لقائد أو رائد، ولا لتنظيم أو جماعة! بل هو انتساب تعبدي لله! غايته أن نسعى جميعا - أنا وأنت، ومن شرح اللهُ صدرَه للقرآن – للاستظلال بحقيقة مُسَمَّى: "عبد الله"!
هذا القرآن المجيد أمامك الآن! فابحث فيه عن نفسك تجدها مشاركة في بناء " مَجَالِسِ القرآن "! إنه إذن مشروعٌ لا مِلْكِيَّةَ فيه لأحد، ولا يخضع لأي (مَارْكَة مسجَّلَة)؛ وإنما هو يتوسم (صِبْغَةَ اللَّهِ. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)!؟(البقرة:138)
دع عنك يا صاحبي الأشكال والألقاب جانبا! ولنطرق باب الله متذللين متواضعين!
" مجالسُ القرآن " منهج تربوي أسَّسَهُ محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانخرط فيه أصحابه عليهم رضوان الله، واستمروا به بعد موته صلى الله عليه وسلم؛ مدرسةً تربويةً تُخَرِّجُ أفواجَ التابعين! ولم يزل بعد ذلك نموذجا مقصودا – عبر التاريخ - للعلماء العاملين، وللمجددين الربانيين!
" مجالسُ القرآن " عَرْضٌ متجدد لموائد الروح! فهذا القرآن العظيم أمامك الآن! هذا كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! هذا نور الوحي، وطريق الهدى! فاقرأ وافْقَهْ عن الله! فهذه السور والآيات تخاطبك أنت بالذات! أنت، نَعَم أنت! إنها – إن أنْصَتَّ بصدق - تخاطبك الآن في زمانك هذا، وفي ظروفك هذه! (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى)(طه:13)! استمع إن كنت من المؤمنين بالله حقا، الراغبين في التلقي عنه تعالى صِدْقاً!
" مجالسُ القرآن " مشروع ننطلق فيه - كعادتنا – (من القرآن إلى العمران)! ولنا اليقين أنه منهج كافٍ إن شاء الله – إذا أُخِذَ بشروطه وضوابطه - لبناء النفس المؤمنة في هذا العصر الجديد، وإعادة تشكيلها تربيةً وتزكيةً، ثم بناء النسيج الاجتماعي الإسلامي حضارةً وعمرانا! وتلك ليست دعوى ندعيها، ولا تمنٍ نتمناه على غير هُدَى، كلا! وإنما هو منطوق القرآن الحكيم، وحقيقته العمرانية الشاهدة، كما هي في نصه، وكما جرَّبها الإنسانُ مرارا في التاريخ! وذلك ببساطة لأن القرآن إذا فُعِّلَ في المجتمع صار مُحَرِّكاً يشتغل بنفسه! ومعملا مبرمجا من عند الله، يشتغل بصورة تلقائية؛ لتخريج الأجيال وصناعة الأنفس على عين الله ووَحْيِه!
فمجالسُ القرآن: مشروع دعوي تربوي بسيط، سهل التنفيذ والتطبيق، سلسل الانتشار؛ غايته تجديد الدين، وإعادة بناء مفاهيمه في النفس وفي المجتمع!.. بعيدا عن جدل (المتكلمين الجدد)، وبعيدا عن تعقيدات التنظيمات والهيآت!.. بعيدا عن الانتماءات السياسية الضيقة، والتصنيفات الحزبية المُرْبِكَة!
لكن؛ قريبا من فضاء القرآن الكريم، بل في بحر جماله النوراني العظيم! وتحت شلال روحه الرباني الكريم!
وانطلاقا من حلقات المدارسات، وصفوف الصلوات، وحصون المساجد وأفلاك الأوقات؛ سيرا إلى الله وحده دون سواه، مخلصين له الدين، راغبين راهبين؛ حتى يأتينا اليقين!
وللدخول في فضاء مجالس القرآن طريقتان أو صورتان، يمكن اعتماد إحداهما أو الجمع بينهما معاً، وهو أفضل:
فأما الأولى فهي صورة (مجالس القرآن الأسرية) وتقوم على تأسيس المجلس داخل الأسرة الواحدة. فأنتما أيها الزوجان أو الأبوان، عندما تختل موازين الحياة بينكما داخل البيت، وتضطرب شؤونه، ولا يستقيم بناؤه، فلا تصفو المودة، ولا تخلص المحبة! فهذه وَصْفَةُ الإيمان جاهزة من صيدلية الرحمن؛ دواء كامل، وشفاء شامل لا يغادر سقما: القرآن! نعم القرآن. فهل فكرتما في وَصْفَةِ القرآن؟ إن تِرْيَاقَ القرآن - للجسم الأُسري خاصة - لا يكون بمنهج التلاوة التبركية فقط، بل يكون أساسا بمنهج التدارس والتدبر الجماعي، كما سنبينه بعدُ بحول الله. عندما يجتمع الزوجان على آيات بينات من كتاب الله؛ تلاوةً وتدارسا وتدبرا؛ فمعنى ذلك أن القلوب قد انفتحت للتلقي عن الله! واستعدت أتم الاستعداد؛ لإعادة ترتيب الوجدان على موازين القرآن ومفاهيم القرآن؛ فإذا بالنور ينـزل ليطهر الخواطر من وساوس الشيطان، ويطرد الغشاوة التضليلية عن الأبصار والبصائر، ويعيد بناء الثقة بين الزوجين، على أحسن مما كانت عليه في أي وقت مضى بإطلاق! وجرب تَرَ النتيجة بعينك إن شاء الله!
قبل هذا وذاك (مجالس القرآن الأسرية) هي لبناء الأسرة على مفاهيم الإسلام، وتكوين الأبناء بمختلف أعمارهم على مواجيد الإيمان، وقيم الدين، والتخلق بجماله وأنواره. إن التربية القائمة على منهج القرآن لهي أيسر الوسائل التربوية، وأضمنها للوصول بالأبوين أنفسهما والأبناء معهما - داخل الأسرة الواحدة - إلى الاستفادة الفعلية من مقاصد القرآن العالية، والتخلق بأخلاقه الراقية! ذلك أن القرآن يربي النفس بصورة تلقائية، لا كلفة فيها ولا تعقيد! بشرط أن يقود الأبوان أنفسُهُما إدارةَ (مجلس القرآن) داخل البيت. فإذن يحصدان نتائج الخير والبركة بإذن الله، بما لا يخطر لهما على بال! لأن ذلك - ببساطة - هو (منهج الفطرة)، حيث تنبت القيم والحقائق الإيمانية في أعماق الأنفس؛ تماما كما ينبت الزرع في الحقل! وتدبَّرْ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهمية حضور الأبوين في العملية التربوية. قال عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه!)( ) ومعلوم أن الإسلام هو دين الفطرة، وأن القرآن هو ديوان الفطرة! ومن هنا فليس أقدر من كتاب الله تعالى على بناء الأنفس والمجتمعات على الفطرة، أو إعادة بنائها على موازينها، أو ترميمها؛ إذا كان قد حصل فيها انحراف أو ضلال!
وما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلون أبناءهم وأهليهم بمعزل عن القرآن، بل كانوا يحضرونهم مجالسَه، ويشركونهم موائدَه، ويعيشون معهم لحظات استدرار أنواره، وأوقات التعرض لأسراره. فهذا الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه (كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم!)( )
وكم من أبٍ، أو أمِّ تعبت وراء السراب؛ بحثاً عن منهج قويم لتربية الأبناء والبنات، فتستغرق ما شاء الله من الأيام، في المطالعات للكتب التربوية، والمتابعات للبرامج التلفزيونية والإعلامية، مسائلةً هذا العالم أو ذاك، وقاصدةً الأخصائيين هنا أو هناك؛ للحصول على وصفة تداوي بها انحراف أبنائها وتمرد بناتها، أو تعنت زوجها، وقسوة حماتها... إلخ! حتى إذا قيل لها ما قيل، وكانت النظريات ذات اصطلاح أنيق، والكلمات ذات ألوان وبريق؛ أخذتها فرحة مسرورة كأنما عثرت على كنز ثمين، لكنها عندما تشرع في التطبيق والتجريب لا تجد من مفهوم التربية فيها إلا السراب! وإنما هي كلمات جوفاء، ونظريات خرقاء! لا تسمن ولا تغني من جوع!
وعجبا لمن يطلب العلاج النفسي، والحل الاجتماعي، في أقصى الدنيا وأبعد الحدود؛ وهذا الشفاء الرباني أقرب إليه من حبل الوريد! القرآن! فهل عرفت – حقيقة - ما معنى القرآن؟ هل حاولت اكتشاف عالم القرآن؟ ذلك هو السؤال الْمُرُّ! الذي يظن أغلب الناس أنهم على قدرة للإجابة عنه بالإيجاب، ولكن أكثرهم - مع الأسف - أبعد ما يكونون عن الصواب!
وليس كتدارس القرآن وتلاوته شيء أنفع وأجدى - في العالم كله - لتمتين العلاقات الزوجية، ورعاية الطفولة، وتربية الشباب! وإن بيتا يُتَدارَسُ فيه القرآن ويتلى لَهُوَ بيتٌ لا يسكنه الشيطان أبدا! ولذلك بيانٌ سهلٌ بسيطٌ في هذه الورقات، يأتي بحول الله.
وأما الصورة الثانية من صور الدخول إلى فضاء القرآن؛ فهي صورة: (صالونات القرآن). ونقصد بذلك فتح صالون البيت للأحباب والأصحاب؛ من أجل الغاية نفسها، وهي تدارس القرآن الكريم، وتدبره، والإنصات إلى حقائقه وحِكَمِه( ). وهذا أفضل ما يجتمع عليه الناس من الخير؛ لأن به تتكون الشخصية الإسلامية المتماسكة على المستويين: النفسي والاجتماعي، وبه يحصل "التعارف" بمعناه القرآني الذي يبني الثقة بين الناس؛ قصد التواصل العمراني، وربط العلاقات الاجتماعية، القائمة على التعاطف والتواد والتراحم، مما يعطي للحياة داخل المجتمع الإسلامي معنى جميلا. وهو ما بينه رسول اللهe في الحديث النبوي المشهور: (مَثَلُ المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم؛ مَثَلُ الجسد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعَى له سائر الجسد بالسَّهَرِ والْحُمَّى!)( ) وما ذاك إلا لِمَا حصل بينهم من "التعارف" على الخير. فالتعارف الذي هو أحد مقومات المجتمع الإسلامي الأساسية، هو منبع وجود "المعروف" الذي هو ضد "المنكر"! ومن هنا قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات:13). فالتعارف - بهذا المعنى - وسيلة هامة جدا لبناء التقوى والصلاح داخل المجتمع، بما يتيحه من التنافس في البِر، والتعاون على التقوى.
وأساس ذلك كله إنما هو هذا المفهوم الإسلامي الأصيل؛ لبناء الأخوة الاجتماعية في الإسلام، ألا وهو: (المحبة في الله)! ونظرا لأهمية هذا المعنى في تقوية النسيج الاجتماعي بين الناس؛ فقد حرص الرسولe على بيان أثره الكبير في ميزان الإيمان والحسنات! على نحو ما حكاه عليه الصلاة والسلام في قصة المحبة، قال صلى الله عليه وسلم: (خَرَجَ رَجُلٌ يزور أخاً له في الله عز وجل، في قرية أخرى، فَأرْصَدَ الله عز وجل بِمَدْرَجَتِهِ [أي: بطريقه] مَلَكاً، فلما مَرَّ به قال: أين تريد؟ قال: أريد فلانا، قال: لِقَرابَةٍ؟ قال: لا! قال: فلِنِعْمَةٍ له عندك تَرُبُّهَا؟ قال: لا! قال: فَلِمَ تأتيه؟ قال: إني أحبه في الله! قال: فإني رسولُ الله إليك! إنه يحبك بحبك إياه فيه!)( ). وفي رواية مسلم: (قال: فإني رسول الله إليك: بأن الله قد أحبَّكَ كما أحببتَه فيه!) ومن هنا جعل الله المتحابين فيه تعالى تحت ظله يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظلُّهُ جلَّ جلالُه! وهو ما نصَّ عليه النبي في قولهe: (سبعةٌ يظلهم الله في ظلِّه، يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: الإمامُ العادل، وشابٌّ نشأ في عبادة ربه، ورَجُلٌ قلبُه معلَّقٌ في المساجد، ورَجُلان تَحَابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقَا عليه، ورجُلٌ طلبته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله! ورَجُلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شِمالُه ما تنفق يمينُه، ورجلٌ ذَكَرَ الله خالياً ففاضت عيناه!)( ).
في هذا الصنف الرباني الرفيع من العباد إذن؛ يَسْلُكُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتحابين في الله. وما ذاك إلا لِمَا لهذه المحبة من الإخلاص، ولِمَا فيها من الصدق!
وإنما موائد القرآن المقدَّمة في (صالونات القرآن)، هي الكفيلة – في هذا العصر بشكل خاص - بتغذية روح التعاطف والتراحم بين المسلمين، وتمتين عمران المحبة العالي! بصورة متفردة عجيبة؛ للفوز بأفضل المنازل الإيمانية، وأجمل المعاني الروحانية!
إن مجالس القرآن - بما تصنعه من أخوة صادقة، ومحبة عالية بين الْجُلَسَاءِ - لَتُشَكِّلُ شبكةً روحية ذات خطوط عمودية وأخرى أفقية. تتواصل بانسجام فيما بينها أفقيا، على المستوى الاجتماعي – من جهة - على أدق وألطف ما يكون الانسجام! وتَمْتَدُّ - من جهة أخرى – إلى أعلى عموديا نحو السماء! موصولة القلوب بحبل الله من المدد الروحي، المتنـزل عليها من لدنه تعالى؛ ذِكْراً في الملأ الأعلى، ورعايةً في الأرض! وتأَمَّلْ صورَ هذه الأحاديثِ التاليةِ تَرَ عجبا! تَرَ كيف يصوغ القرآن المجيدُ شبكةَ الروح الممتدة من المجتمع الإنساني إلى الله رب العالمين! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض!)( ) وقال في مثل ذلك أيضا: (أبشروا.. فإن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به! فإنكم لن تهلكوا، ولن تضلوا بعده أبدا..!)( ) وروي بصيغة أخرى صحيحة أيضا فيها زيادة ألطف، قالe:‌ (أبشروا..! أبشروا..! أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟‌ قالوا:‌ بلى، قال:‌ فإن هذا القرآن سَبَبٌ، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به! فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدا!)( ) فلا ضلال إذن بما وَضَحَ من الطريق السالكة إلى الله! ولا هَلَكَةَ بما تَمَتَّنَ من نسيج الأمة وتَقَوَّى من عضدها! وما غير منهاج القرآن العظيم بذلك كفيل؟!
لكن لابد من بيان أن القرآن لا يشتغل حقيقةً؛ إلا إذا تحرك به قلب العبد المؤمن! نعم! واشتعل له وجدانُه! وتهيأ كيانُه كلُّه للاشتعال! فالمعاناة الإيمانية النابعة من صدق الإقبال على الله، وشدة الافتقار إليه تعالى؛ هي وحدها الكفيلة بتهيئة النفس وتصفيتها؛ حتى تصلح مرآتها لتعكس أنوار حقائق الإيمان، الكامنة في القرآن، وتستدر أسرار العرفان المكتنـزة فيه! إنها هي وحدها تتيح للعبد الصادق تفجير زناد القرآن، وإشعال زيته الوقاد! ذلك أن الله جعل قلب العبد المؤمن هو المحرِّك الذي يُشَغِّلُ قاطرة الإيمان، ولا حركة إلا بِمُحَرِّك! فكيف ينطلق النور؟ وكيف يتوهج القرآن؟ وهذا القلب جامد هامد، لا تهب به رياح الأشواق؟
وعليه؛ فإن مجالس القرآن بما تتضمنه من أسرار هذا المنهج، وبما تتيحه من تهييج الشوق إلى الله، وإكْسَابِ القلبِ هذه الصفةَ الحركيةَ الوجدانية، خصلةً ذاتيةً ومهارةً حيويةً؛ تجعل الْجُلَسَاءَ الْمُتَحَلِّقينَ بها أشْـبَهَ – فعلا - ما يكونون بالسُّرُجِ والْمَصَابيحِ المعلقة في السماء! تشع بالنور وهي تدور بأفلاكها سيراً إلى الله.. وذلك بما يَنْقَدِحُ في قلوبهم من نور الإيمان! وأسرار القرآن! واقرأ إن شئت – على هذا الوِزَان - آية النور من سورة النور! وإنها لآيةٌ وأيُّ آية! فأبْصِرْ ..!
قال الله جَلَّ ثناؤه وتقدست أسماؤه: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ. يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ. وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.)(النور:35)
فالآية مَثَلٌ ضربه الله جل جلاله للقرآن في قلب العبد المؤمن عندما يتوهج إيمانه، ويَتَّقِدُ وجدانه؛ بما يتدفق عليه من زيت القرآن وهو آياته البينات! فذلك: نورٌ على نور! فالمشكاة: هي صدر المؤمن. والمصباح هو: القرآن. والزجاجة هي: قلب المؤمن. فكلما اشتغل العبد بِوَارِدِ القرآن تَوَهَّجَ الإيمان بقلبه واشتعل؛ فتدفق منه النور! فهو لذلك كالكوكب الدُّرِّيّ النابضِ بالحسن والجمال في علياء السماء! فإلى نحو هذا المعنى ذهب الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله في تفسير الآية؛ نقلا عن عدد من سلف الصحابة والتابعين، منهم أُبَيّ بن كعب، وابن عباس رضي الله عنهما( )
وإذا أردت أن تشاهد كيف يفيض نورُ الله على عباده وأوليائه؛ فشاهِدْ قولَ الله جل وعلا: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ!) وتَدَبَّرْ أبعادها الكونيةَ العظمى! ثم تابِعْ مشاهدَ الآية بَعْدُ مُتَسَلْسِلَةً من خلال حديث رسول اللهe كما صح عنه عليه الصلاة والسلام في حديثٍ صحيحٍ مليحٍ، تُشَدُّ إليه الرِّحالُ! شعاع من نور الله، يرويه عن رسول الله؛ الصحابيُّ الجليلُ أبو موسى الأشعري رضي الله عنه.. والله ما أحب أن لي به الدنيا وما فيها..! قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: (قَامَ فينا رسولُ اللهe بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فقال: «إن الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ! ولاَ يَنْبَغِي لَهُ أنْ يَنَامَ! يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ. يُرْفَعُ إليهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ! حِجَابُهُ النُّورُ!.. لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ!)( ) وأيُّ شيءٍ من خَلْقِهِ لا يَنْتَهي إليه بَصَرُهُ ؟!.. ألاَ سبحانه! سبحانه! والسُّبُحَاتُ: هي بهاءُ النورِ وفَيْضُ الحُسْنِ، من الجمال والجلال المتجلي عن ذاته جلَّ جلالُه!( ) فسبحانه وتعالى من ربٍّ عظيم! هو النور وحجابه النور!
فعندما يجتمع الْجُلَسَاءُ متحلقين بمجالس القرآن، ويشرعون في الاشتغال بكتاب الله جل علاه؛ فإنما هم في الحقيقة يَصِلُونَ أرواحَهم بحبل الله النوراني مباشرةً، ويربطون مصابيح قلوبهم بمصدر النور الأكبر! فإذا بهم يستنيرون بصورة تلقائية، وبقوة لا نظير لها! وذلك بما اقتبسوا من نور الله العظيم! وإذا بهم يترقون بِمَعَارِجِ القرآن ومَدارِجِه إلى مشاهدة حقائق الإيمان، مشاهدةً لا يُضَامُونَ فيها شيئاً! وما كان للزجاج البلوري إذا أشرقت عليه أنوار الحقائق القرآنية إلا أن يكون مُشِعّاً! وذلك هو مَثَلُ أهل الخير المصلحين في الأرض، وَرَثَةِ الأنبياء من الربانيين والصِّدِّيقين!
فَلَكَ أن تقول إذن: إن مجالس القرآن وصالوناته – بما ذكرنا لها من إمكانات وخصائص - هي مدارسُ لتخريج مصابيح القرآن في الأمة!
فمن هنا إذن نشرع في بناء عمارة الروح بتصميم "مجالس القرآن"؛ من أجل تجديد الإيمان، وتصفية الوجدان، والسير إلى الله عبر أخصر طريق وأقربه! ومن أجْلِ تداولٍ اجتماعيٍّ للقرآن العظيم، والتزامٍ اجتماعي شامل؛ للمعلوم من مواثيق الدين بالضرورة! عسى أن نسهم في بناء نهضة إسلامية عَمَلِيَّةٍ شاملة، بإذن الله! ما نرى إلا أن إبَّانَها الحضاري قد آن، وأنَّ موسمها الكوني قد حَلَّ بعالم الإنسان! فهذه آمالُها القديمةُ تتمخض اليوم بالفعل لا بالتخمين، عبر آلام كل العالم الإسلامي، تنبت بالبشرى في كل مكان!
بقيت مسألة واحدة، قد تكون مدخلا للشيطان – نعوذ بالله السميع العليم منه – فيثبط النفس ويثقلها عن المبادرة إلى إنشاء مجالس القرآن! وذلك أنه ربما يتسلل إلى الخاطر عبر هذا السؤال: من له الأهلية لبناء مجلس قرآني؟ وسرعان ما تتوجه أصابع الاتهام إلى النفس: أنا لست أهلا؛ وإذن فلننتظر المهدي! ومن هنا فإننا نقول: نعم، العلماء الربانيون أولا، هم أولى بهذا المشروع من غيرهم، ولكن ليس وحدهم! بل بعدهم يأتي أهل الخبرة التربوية من الربانيين! وربما كان من هؤلاء من فاق أولئك! خاصة وأن المشروع يشتغل بالمعلوم من الدين بالضرورة، وليس موضوعا لتخريج الفقهاء والمفتين، فذلك له ميدان آخر غير ما نحن فيه، وإنما مجالس القرآن مجال للصناعة التربوية أساسا.
وذلك بناء على يقين حصلناه بالمشاهدة والتجربة: وهو أن هذا المشروع يصنع أساتِذَتَه! وهذا سِرٌّ من أسرار القرآن العجيبة! إن مدارسة القرآن العظيم بما هي تعبد محض، وسير قلبي إلى الله؛ إذا أقبل عليها العبد بإخلاص حقيقي فاضت عليه أنوار القرآن وحِكْمَتُه! وكان من شأنه ما كان، من تجليات الروح، وتحصيل التزكية والحِكْمَةِ الربانية، بصورة تلقائية ذاتية! كما سترى مفصلاً بأدلته بَعْدُ بحول الله! وتلك لعمري هي أهم خصائص الربانيين، الموكول إليهم تربية الخلق بهذه الأمة! وإنَّ من أسرار الإعجاز في هذا الدين، واستمرار انبعاثه إلى يوم الدين؛ أنَّ تجديده متعلق بسِرٍّ إلهي، يتمثل في فعل من أفعال الله تبارك اسمه، إذ يتجلى على بعض عباده من نور إرادته وقدرته، ألا وهو: "البعث"! فتجديد الدين لا يكون إلا "بعثا"، وإنما "البعث" فعلٌ من قدرة الله وإرادته، لا من فعل الإنسان، وإنما الإنسان فيه مستجيب لإرادة الله! فتَدَبَّرْ بِتَأنٍّ كبيرٍ الحديثَ النبوي المشهور، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها)( ). وقد جرت العادة أن الناس اليوم ينتبهون أكثر إلى فعل "التجديد"، الذي فاعله هو الإنسان، وقلَّما ينتبهون إلى فعل "البعث"، الذي فاعله هو الله جَلَّ جَلاَلُه! وإنما ذلك ناتج عن هذا، والعكس غير صحيح! فلا تجديد إلا ببعث!
والله جَلَّ وعَلاَ بين لنا كيف يبعث روح التجديد في النفوس، ببيانات واضحة من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما ذلك الروح هو: القرآن! فمن أقبل عليه بصدق كان من أهل الله وخاصته! كما سترى بحول الله. فإن لم يكن عالما كان حكيما. (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا! وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ!)(البقرة:269)
فيا من تبحث مثلي عن طريق الله! برنامَجُك العملي وميثاقُك الدعوي؛ كتاب واحد، لا ثاني له: هو القرآن العظيم! وشيخُك الراعي وأستاذك الداعي؛ مُرَبِّ واحدٌ لا نظير له: هو من (كان خُلُقُهُ القرآن)( ) محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم! وأما مَقَرُّك الدعوي، ومنطلقك (الاستراتيجي) فمكان واحد لا بديل له: هو بيت الله! فاطرق باب المسجد تَجِدْ وجهَ الله! وادخل فضاءَ القرآن تَسْمَعْ كلامَ الله!
البقية تأتـــــــــــــي
أبوأسامة مبارك
أبوأسامة مبارك
Admin

عدد المساهمات : 439
تاريخ التسجيل : 24/12/2008
العمر : 53

https://tiabinet.forumactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى