بوابة أحد بوموسى نيوز


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

بوابة أحد بوموسى نيوز
بوابة أحد بوموسى نيوز
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

خطبة بعنوان: شكر النعم وكفرها

اذهب الى الأسفل

خطبة بعنوان: شكر النعم وكفرها Empty خطبة بعنوان: شكر النعم وكفرها

مُساهمة من طرف أبوأسامة مبارك الجمعة يونيو 15, 2012 8:55 am

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله الكريم المنان, المتفضل على عباده بأصناف النعم وأنواع الإحسان, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الديان, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالهدى والرحمة وصلاح القلوب والأبدان, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان, وسلم تسليمًا مزيداً... أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم العظيمة, نعم الدنيا ونعم الدين، نعم كثيرة وافرة: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} (18) سورة النحل. اشكروا الله على هذه النعم فإن الشكر سبب لمزيدها وبقائها, وإن كفر النعم سبب لنقصها وزوالها, قال الله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (7) سورة إبراهيم . وقال سبحانه: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} (112) سورة النحل.

أيها المسلمون:
إن شكر الله على نعمته هو القيام بطاعته, أن تفعلوا ما أمركم الله به, وتتركوا ما نهاكم عنه, سواء في كتابه أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا مبيناً.
إن العاصي ليس بشاكر لربه ولو قال شكراً لله بلسانه, فأيُّ فائدة لشكر الإنسان ربه بلسانه وهو مقيم على معصيته؟! أفلا يخشى مَن شكر ربه بلسانه وهو مقيم على معصيته أن يقال له: كذبت إنك لم تشكر ربك حق شكره!.

عباد الله: إن أكبر نعمة أنعم الله عليكم أن هداكم للإيمان والإسلام مخلصين لله تعالى متبعين لرسوله -صلى الله عليه وسلم- وقد كان قوم يتخبطون العشواء في دينهم ما بين مغضوب عليهم؛ علموا الحق واستكبروا عنه، وضالين؛ جهلوا الحق فلم يهتدوا إليه.

وإن من نِعَم الله عليكم هذا الأمن والاستقرار الذي تنعمون به وقد أصيب قوم بالخوف والقلق والقتال, وإن من نعم الله عليكم ما يسره لكم من أنواع الأرزاق تأتيكم رغدًا من كل مكان وقد كان قوم لا يستطيعون لقمة العيش إلا بتعب وعناء وربما ماتوا من الجوع والإقلال.

وإن من نعم الله عليكم ما أخرجه لكم من ثمرات النخيل والأعناب تتفكهون بها رطباً جنيَّاً وتدخرونها تمراً وزبيباً, فاعتبروا بما فيها من قدرة الله وحكمته ورحمته؛ حيث أخرجها لكم من هذه الجذوع والغصون مأكولاً طريّاً شهيّاً: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (82) سورة يــس. فاشكروا الله تعالى على هذه النعم واستعينوا بها على طاعته وإياكم أن تكون نعم الله عليكم سبباً لأشرِكم وبطركم وفسوقكم عن أمر ربكم فإن ذلك أقوى معول لهدمها وأقوى سبب لزوالها"1.

إن شكر نعمة الله- جل وعلا- فيما أنعم به يقتضي أن تُنسب إليه، وأن يحمد عليها ويثنى عليه بها، وأن تستعمل في مراضيه- جل وعلا- وأن يتحدث بها، فإن الذي ينسب النعم إلى نفسه لم يحقق التوحيد بل هذا من كفر النعم؛ فإنه جمع بين ترك تعظيم الله - سبحانه- وبين ادعاء شيء ليس له، وقد يعتقد في غيره أنه هو المنعم عليه، كقول القائل: لولا فلان لم يكن كذا، أو نحو تلك العبارات التي تدخل في قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} (22) سورة البقرة. وفي قوله سبحانه: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} (83) سورة النحل. فهذه الألفاظ وأمثالها راجعة إلى عدم شكر النعمة.

ومن صور شكر النعم أن الله- جل وعلا- إذا أنعم على عبد بولد، وجعله سليماً معافى، ورزقه بتلك النعمة أن يشكر الله عليها، ومن عدم شكر النعمة تلك نسبتها إلى غير الله كما هو الحال في الواقع عند بعض عباد الله حيث تجدهم يُعبِّد الولد لغير الله- تعالى- وهذا مضاد للاعتراف بأن المنعم بذلك الولد هو الله، وقد يصل ذلك إلى حد الشرك الأكبر إذا عُبِّد الولد لولي أو لعبد صالح، وهو يعني حقيقة العبودية التي هي أن هذا عبد لذاك؛ لأن ذاك إله كمن يعبد لبعض المشايخ فيقول: عبد السيد ويعنون به: السيد البدوي، ويقولون: عبد زينب، وعبد علي، وعبد عمرو، عبد النبي, ونحو ذلك من الأسماء التي فيها اعتقادات.

فمن عبد ولداً لغير الله -جل وعلا- فقد نافى شكر النعمة؛ والواجب على العبد أن يحقق التوحيد، وأن لا ينسب النعم لغير الله -سبحانه- فإن وقع منه ذلك فواجب عليه أن يبادر بالتوبة، وألا يقيم على ذلك"2.
"من جعل كفر النعم مكان شكرها، فإن الله غنيّ عن شكره غير محتاج إليه، حميد مستحق للحمد
من خلقه؛ لإنعامه عليهم بنعمه التي لا يحاط بقدرها، ولا يحصر عددها، وإن لم يحمده أحد من خلقه، فإن كل موجود ناطق بحمده بلسان الحال3.

يقول الله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (211) سورة البقرة. إن المتأمل في هذه الآية ليظهر له ما فيها من التحذير من كفر النعم لما يترتب على ذلك من أليم العذاب وشديد العقاب, ومن أَجَلِّ النعم نعمة الإِسلام فمن كفر به وأعرض عنه فقد تعرض لأشد العقوبات وأقساها وما حلَّ ببني إسرائيل من ألوان الهون والدون دهراً طويلاً شاهد قوي, وما حل بالمسلمين يوم أعرضوا عن الإِسلام واستبدلوا به الخرافات ثم القوانين الوضعية شاهد أكبر أيض4.

عبد الله: بالشكر تدوم النعم, ويتمثل ذلك في شكر المنعم -جل وعلا- ، فما من نعمة جاءت للخلق من أهل السماوات والأرض إلا من الله -سبحانه-: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ} (53) سورة النحل. وهي تستوجب أن نتحدث بالشكر عنها: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (11) سورة الضحى. يروى عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- أنه قال: - قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ لَمْ يَشْكُرْ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرْ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرْ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرْ اللَّهَ، التَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شُكْرٌ وَتَرْكُهَا كُفْرٌ)5. وقال عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-: "تذكروا النعم فإن ذكرها شكر" ، وروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- «أنه قام حتى تورمت قدماه, فقيل له يا رسول الله أتفعل هذا بنفسك, وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً)6. وقال أبو هارون: دخلت على أبي حازم, فقلت له: -يرحمك الله- ما شكر العينين؟ قال: إذا رأيت بها خيراً ذكرته, وإذا رأيت بها شراً سترته, فقلت: فما شكر الأذنين؟

قال: "إذا سمعت خيراً حفظته, وإذا سمعت بهما شراً نسيته"7.
هكذا كان حال السابقين من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين يشركون الله تعالى بألسنتهم وبقلوبهم وجوارحهم، فكانت نعم الله عليهم تترى، أما اليوم فمن الناس من يرى المال نعمة وهو أصلاً بعيد عن ربه منتهك لحرماته فما هي إلا أيام حتى يصبح المال والنعمة تلك عليه لعنة ونقمة، وترديه في مهاوي الضياع والتيه، لقد ظن أناس أن من النعم أن يوسع عليه في المال وهو كافر أو فاجر، ولكن في الحقيقة أن النعم في حق الكفار والمقيمين على الفجور والجرائم إنما هي استدراج للفخ الذي لا يخرجون منه أبداً، إنه فخ العذاب الدنيوي والأخروي، إن أناساً ظنوا بالمال خيراً فإذا هو جحيم لا يطاق وهم وغم وعبء ثقيل، والسبب كله في عدم شكر الله على تلك النعم والابتعاد عن صراط الله المستقيم،{فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (55) سورة التوبة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأستغفر الله من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:
"الحمد لله الذي أعطى عباده الأسماع والأبصار والأفئدة لعلهم يشكرون، وأسدى عليهم أصناف النعم وسيحاسبهم عليها وعنها يسألون، فمن استعان بها على طاعة المنعم فأولئك هم المفلحون، ومن صرفها في معاصيه فأولئك الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين..
أما بعد:

أيها الناس، اتقوا الله واعرفوا مقدار نعمه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس، عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علم)8.
فكلنا معشر المسلمين مسؤول عن هذه الخمس، كما أخبر به الصادق في المقال، فلينظر العبد موقع حاله، وماذا يجيب به هذا السؤال، فمن قال بصدق: يا رب قد أفنيت عمري في طاعتك، وأبليت قوتي وشبابي في خدمتك، ولم أزل مقلعاً تائباً عن معصيتك, واكتسبت مالي من طرق الحلال واجتنبت المكاسب الردية الموجبة للهلاك والنكال، وأنفقته فيما تحب, واجتنبت إنفاقه في الفسوق، ولم أبخل بالزكاة ولا في النفقات الواجبة, وآتيت الحقوق، وعلمت الخير ففعلته، وعرفت الشر فتركته، فليبشر عند ذلك برحمة الله وأمانه، والفوز بجنته ورضوانه.

ومن قال: قد قضي عمري وشبابي في الذنوب والغفلات، ولم أبال بالمكاسب الخبيثة ولا بالغش والخيانات، وعلمت الخير والشر فلم انتفع بعلمي، ولا أغنت عني معرفتي ولا فهمي, فذلك العبد الذي هلك مع الهالكين، وسلك سبيل الظالمين المعتدين, فيا سوءتاه حين يندب الشاب شبابه، ويفتضح الشيخ إذا قرأ كتابه, ويا ندامة المفرطين حين يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً، ويساق المجرمون إلى جهنم ورداً، لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً، ينادون مالكاً خازن النار:

{يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ* لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} (77-78) سورة الزخرف. ويقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ* قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} (107-108) سورة المؤمنون"9.

عباد الله:
يكفي العبد العاقل موعظة ما حل بقارون الطاغية لما تكبر واغتر بما منحه الله من النعم العظيمة والأموال الجسيمة فلم يقم بشكرها, بل تطاول وقال: (إنما أوتيته على علم عندي), كفر وغرور, وعتو ونفور, فماذا كانت النتيجة بعد أن خرج مغتراً على قومه في زينته؟ واغتر به من اغتر من ضعاف الإيمان؟ ما نفعه ماله ولا جاهه, قال سبحانه وتعالى:{فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ* فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} (79-81) سورة القصص.{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (37) سورة ق. فاحذر يا عبد الله كفران النعم! وتذكر منة الله عليك فيما حباك من فضله ونعمه واشكره يزدك ربك ويبارك لك فيما منحك, قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (7) سورة إبراهيم.
اللهم ارزقنا شكر نعمائك, وزدنا من فضلك وكرمك وإحسانك, وارزقنا الفوز برضوانك, واعتقنا بفضلك من نيرانك, واحشرنا يوم القيامة مع أنبيائك وأوليائك وأصفيائك, برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.


1 انظر: الضياء اللامع من الخطب الجوامع - (ج 3 / ص 211).
2 انظر: التمهيد لشرح كتاب التوحيد –لـ(صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ج 2 / ص 200).
3 انظر: فتح القدير للشوكاني (5/ 487)
4انظر: أيسر التفاسير للجزائري - (1/ 98).
5 رواه أحمد -17721- (ج 37 / ص 402) وحسنه العلَّامة الألباني في السلسلة الصحيحة -667- (ج 2 / ص 166).
6 رواه البخاري – 1062-(ج 4 / ص 292) ومسلم – 5046-(ج 13 / ص 442).
7 انظر كتاب: متطلبات المحافظة على نعمة الأمن والاستقرار –لـ(سليمان بن عبد الرحمن الحقيل) (ج 1 / ص 62).
8رواه الترمذي -2340- (ج 8 / ص 442) والطبراني -9653- (ج 8 / ص 316). وصححه الألباني في مواضع عدة من كتبه.
9 الفواكه الشهية في الخطب المنبرية(1/76) لـ(عبد الرحمن بن ناصر السعدي)

عن موقع: امام المسجد:الرابط
أبوأسامة مبارك
أبوأسامة مبارك
Admin

عدد المساهمات : 439
تاريخ التسجيل : 24/12/2008
العمر : 53

https://tiabinet.forumactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

خطبة بعنوان: شكر النعم وكفرها Empty شكر النعم لفضيلة الشيخ:عبد الحميد بن جعفر داغستاني

مُساهمة من طرف أبوأسامة مبارك الجمعة يونيو 15, 2012 9:02 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى
أما بعد :

فإن الفرد منا لو أحسن إليه أحد من العباد فأخرجه من ضائقة أو قضى له حاجة، أو أعانه على أمر، أو حتى عامله بلطف، فإنه لا يعرف كيف يشكره ويرد جميله، بل قد يقول له: إني عاجز عن الشكر، وإن لك علي لفضلا.

هذا مع عبد من العباد وفي أمر يحصل على قلة وقد لا يتكرر ، فكيف يكون موقفنا مع رب الأرباب ذي الطول والحول العزيز الوهاب ؟! الذي يقول: وءاتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها [إبراهيم:34]. وقال تعالى: وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة [لقمان:20]. يخبرنا سبحانه وتعالى أنه لا سبيل لعد وحصر نعمه فهي كثيـرة متتابعـة.

لكننا سنعيش مع بعض منها لنشكره جل وعلا إذ يقول: وسنجزي الشاكرين [سورة آل عمران:145]. والشكر طريق الزيادة: لئن شكرتم لأزيدنكم [إبراهيم:7].

إن من أعظم النعم نعمة الإسلام وإكمال الدين إذ بها صلاح الدارين ويمتن المولى علينا فيقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً [المائدة:3]. ومن النعم علينا نعمتا الأمن من الخوف ، والإطعام من الجوع ، ولا يعرف قدر هاتين النعمتين إلا من فقدهما، ومن نظر إلى الأمم من حوله فكم من حروب دمرت ونسفت، وكم من مجاعات أكلت وأبادت، ومن النعم اكتمال حواسنا من سمع وبصر وأفئدة: قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون [الملك:23].

ومن نعمه سبحانه سعة ذات اليد فالنبي يقول: (( من أصبح منكم آمنا فـي سربـه، معافـاً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا ))(5) أو كما قال فليس منا اليوم أحد إلا وعنده قوت أسبوعه أو شهره، بل قل سنته أو سنواته، ولا ننسى نعمة الزوج والذرية إن صلحت .

ويعجب البعض لو علم أن نعم الله لا تنفك عنا حتى في المصائب فمن نعمه سبحانه في المصيبة إن اتصفنا بصفات الصابرين رفع الأجر، ووضع الوزر، وكونها ليست في الدين، وكونها يدفع بها بلاء أعظم منها، وكونها مقدرة وقد وقعت وانتهت .

إنها نعم كثيرة عظيمة فكيف السبيل إلى حفظها ، وبم نقيدها إنه يا عباد الله الشكر: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون [البقرة:152]. والشكر يكون بالجنان وباللسان وبالجوارح، بالجنان بإسناد النعمة إلى منعمها وبقصد الخير وإضماره لكافة الخلق.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: (( ما أنعم الله على عبد نعمة فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها ، وما أذنب عبد ذنباً فندم عليه إلا كتب الله له مغفرة قبل أن يستغفره، وما اشترى عبد ثوبا بدينار أو نصف دينار فلبسه فحمد الله عليه إلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له ))(1)

وشكر باللسان بقوله الحمد لله في مبدأ أمرنا ، فكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع – أي ناقص – وفي آخر أمرنا إذ يقول المصطفى : (( إن الله ليرضى من العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ))(2) رواه مسلم. ونشكره كذلك في سائر أحوالنا وقليل من عبادي الشكور [سبأ:13]. ويكون شكر الله بجوارحنا بعبادته كما أمر ابتعاداً عن النواهي، وفعلاً للأوامر، وبإظهار نعم الله علينا بلسان الحال والمقال، فالله يقول: وأما بنعمة ربك فحدث [الضحى:11]، يقول أحد الصحابة: (( أتيت رسول الله وأنا قشف الهيئة ، قال : هل لك من مال؟ قلت : نعم . قال : من أي المال ؟ قلت : من كل ، من الإبل والخيل والرقيق والغنم . قال : فإذا آتاك الله مالاً فلير عليك ))(5) والله سبحانه وتعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده دون عجب ولا غرور أو كبر .

إنه لا يمكن أن نؤدي شكر الله، ولكن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وهذه نعمة أخرى فهو سبحانه أنعم علينا بما هو من قدره ويقبل شكرنا على قدر طاقتنا وقدرتنا، فلنر الله من أنفسنا خيراً.

اللهم لك الحمد أولاً وآخراً ، ونشكرك اللهم ولا نكفرك، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .





(5) أخرجه البخاري في الأدب المفرد حديث رقم <<300>> وأخرجه الترمذي في سننه : كتاب الزهد ، باب في التوكل على الله 4/ 574 ، وابن ماجه في

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 514 وقال: لا أعلم في إسناده أحدا ذكر بجرح ولم يخرجاه .

(2) صحيح مسلم : كتاب الذكر والدعاء ، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب 17/ 51 .

(5) أخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 25 . وأخرجه أحمد في المسند 4/ 137 .

بنحوه والنسائي في السنن : كتاب الزينة باب في الجلاجل ت8/ 179 .

بنحوه .


الخطبة الثانية
الحمد لله ذي الجلال والإكرام ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تفرد بالربوبية على الدوام، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله قام بشكر ربه حق القيام، صلوات ربي عليه وأزكى تحية وسلام ، وبعد :

فإننا لما عرفنا مقام الحمد والشكر وأهميته نتعرض لمقام أعيذ نفسي وإياكم منه، وهو مقام كفران النعم، فبقدر عظم فضل الشكر يكون عظم جرم الكفر، وأعني بالكفر هنا كفران النعم .

إن من كفر النعم ازدراء نعمة الله علينا، وانتقاصها، وهذا من خصال النفس الدنيئة الطماعة التي لا تشبع ولا تقنع بل تحب أن تجمع وتجمع.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (( إذا أحب أحدكم أن يعلم قدر نعمة الله عليه فلينظر إلى من هو تحته ولا ينظر إلى من هو فوقه ))(1) وعنه كذلك رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (( انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله ))(2) فينبغي أن ننظر إلى من هو أسفل منا في أمور الدنيا.

أما إلى أمور الدين فننظر إلى من هو أعلى منا لأن الدنيا ضيقة والآخرة فسيحة واسعة: وفي ذلك فليتنافس المتنافسون [المطففين:26].

ومن مظاهر كفران النعم ما نراه أحياناً من ممارسات خاطئة، فالذي يقود سيارته بسرعة جنونية ولا يتورع عن القيام بحركات بهلوانية، والذي يستغل الهاتف – وهو من النعم العظيمة – في إيذاء خلق الله، والذي يرزقه الله ذرية فلا يهتم بتربيتها، والذي يؤتيه الله مالاً فلا يخرج حقه وزكاته، ولا يتطوع بفضوله، والذي يعطيه الله جاها ومنصباً فيستغله في أغراضه الخاصة وفي إذلال الناس، كل واحد من هؤلاء يمارس نوعاً من كفران النعم .

والذي يسرف في مأكله ومشربه فيلقي بفضولها في الطرقات والشوارع يمثل نوعاً من كفر النعم، إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد كسرة ملقاة فأخذها ومسحها ثم أكلها وقال: ((… يا عائشة أكرمي كريماً ، فإنها ما نفرت عن قوم قط فعادت إليهم ))(2)

ولا ننسى مظاهر الإسراف في المفروشات والسفريات والحفلات وفي إقامة القصور والعمارات، وقد ضرب الله لنا مثلاً بليغاً لقوم يتفكرون، وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة [النحل:112] الآية .

وقد يظن الجاهل أن تقلبه في نعم ربه دليل رضاه عليه، وإن أسرف وعصـاه، وليـس كذلك ، يقول سبحانه: سنستدرجهم من حيث لا يعلمون [القلم:44].

قال بعض المفسرين في هذه الآية: ( أي نصب عليهم النعم ونمنعهم الشكر ) وقال آخرون: ( كلما أحدثوا ذنباً أحدثت لهم نعمة ).

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله : (( إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ، ثم تلا رسول الله فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون [الأنعام:44](6).

ولا يظن أحد أن الشكر هو بقول الحمد لله والشكر لله فقط، فقد أسلفنا وبينا كيف يكون الشكر. فالشكر يكون باللسان والجوارح والجنان.


(1) أخرجه ابن المبارك في كتاب الزهد ص 502 ، حديث رقم << 1433>> .

(2) أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الزهد 18/ 97 .

(2) أخرجه ابن ماجه في سننه : كتاب الأطعمة ، باب النهي عن إلقاء الطعام 2/ 112 . وفي رواية لابن أبي الدنيا : حسن جوار نعم الله عز وجل الشكر ، ص 12 .

(6) أخرجه أحمد في المسند 4/ 145 .

من موقع المنبر: الرابط
أبوأسامة مبارك
أبوأسامة مبارك
Admin

عدد المساهمات : 439
تاريخ التسجيل : 24/12/2008
العمر : 53

https://tiabinet.forumactif.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى