نزهة النظر بشرح نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني
صفحة 1 من اصل 1
نزهة النظر بشرح نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني
الحمدُ للهِ الذي لَمْ يَزَلْ عَليماً ( ) قديراً حيّاً قيُّوماً (( مريداً )) ( ) سَميعاً بَصيراً ، وأَشهدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأُكبِّرُه ( ) تَكبيراً .
وصلّى اللهُ عَلى سَيدِنا مُحَمَّدٍ الذي أَرْسَلَهُ ( ) إِلى النَّاسِ كافةً بَشيراً ونَذيراً ، وعلى آلِ محمدٍ ( ) وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْليماً كثيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فإِنَّ التَّصانيفَ في اصْطِلاحِ ( ) (( أَهلِ الحَديثِ )) ( ) قَدْ كَثُرَتْ للأئمةِ في القديمِ (( والحَديثِ )) ( ) :
فَمِن أَوَّلِ مَن صَنَّفَ في ذلك القاضي أبو محمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيّ في كتابه (( المحدِّث الفاصل ( ) )) ، لكنَّه لم يَسْتَوْعِبْ ( ) .
والحاكِمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسَابوريُّ ، لكنَّه لم يُهَذِّبْ ولم يُرَتِّبْ .
وتلاه أَبو نُعَيْم الأصبهانِيُّ ( ) ، فعَمِل على كتابهِ (( مُسْتَخْرَجاً )) ، وأَبقى أَشياءَ للمُتَعَقِّبِ .
ثمَّ جاءَ بعدَهم الخطيبُ أبو بكرٍ ( ) البَغْدَاديُّ ، فصنَّفَ في قوانينِ الروايةِ كتاباً سمَّاه (( الكفايةَ )) ، وفي آدابِها كتاباً سمَّاه (( الجامعَ لآدابِ الشَّيْخِ والسَّامِع )) .
وقلَّ فنٌّ مِن فُنونِ الحَديثِ إِلاَّ وقد صَنَّفَ { ظ / 1 ب } فيهِ كتاباً مُفْرَداً ، فكانَ ( ) كما قال الحَافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ : كلُّ مَن أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ المحَدِّثينَ بعدَ الخَطيبِ عِيالٌ على كُتُبِهِ .
ثمَّ جاءَ [ بعدَهُم ] ( ) [ بعضُ ] ( ) مَن تَأَخَّرَ عنِ الخطيبِ فأَخَذَ مِن هذا العلمِ بنَصيبٍ :
فجمَع القاضي عِياضٌ ( ) كتاباً لطيفاً سمَّاهُ الإِلْماع (( في كتاب الإسماع )) ( ) .
وأبو حفْصٍ المَيَّانِجيُّ جُزءاً سمَّاه (( ما لا يَسَعُ المُحَدِّثَ جَهْلُه )) .
وأَمثالُ { أ / 1 ب } ذَلك مِنَ التَّصانيفِ الَّتي اشتُهِرَتْ وبُسِطَتْ { هـ / 1 ب } ليتوفَّرَ عِلْمُها ، واخْتُصِرَتْ ليتيسَّرَ فهْمُها .
{ ن / 1 ب } إِلى أَنْ جاءَ الحافِظُ الفقيهُ تقيُّ الدِّينِ أَبو عَمْرٍو عُثْمانُ بنُ الصَّلاحِ عبدِ الرحمنِ الشَّهْرَزُوريُّ – نزيلُ دمشقَ – ، [ فجَمَعَ ] ( ) - لما وَلِيَ تدريسَ الحديثِ بالمدرَسَةِ الأشرفيَّةِ – كتابَه المَشهورَ ، فهَذَّبَ فنونَهُ ، وأَملاهُ شيئاً بعدَ شيءٍ ، فلهذا لمْ يَحْصُلْ ( ) ترتيبُهُ على الوضعِ المُناسِبِ ( ) ، واعتنى بتصانيفِ الخَطيبِ { ب / 1 ب } المُتفرِّقةِ ( ) ، ( فجمَعَ شَتاتَ ) ( ) مقاصِدِها ، وضمَّ إِليها مِن غَيْرِها نُخَبَ ( ) فوائِدِها ، فاجتَمَعَ في كتابِه ما تفرَّقَ في غيرهِ ، فلهذا عَكَفَ النَّاسُ عليهِ وساروا بسَيْرِهِ ، فلا ( ) يُحْصى كم ناظِمٍ [ له ] ( ) ومُختَصِر ، ومستَدْرِكٍ [ عليهِ ] ( ) ومُقْتَصِر ، ومُعارِضٍ ( ) لهُ { ظ / 2 أ } ومُنْتَصِر !
فسأَلَني بَعْضُ الإِخوانِ ( ) أَنْ أُلَخِصَ لهُ ( ) المُهِمَّ مِنْ ذَلكَ فلخَّصْتُهُ في أوراقٍ لطيفةٍ ( ) سمَّيْتُها (( نُخْبَةَ الفِكَر في مُصْطَلحِ [ أَهلِ ] ( ) الأثَر )) على ترتيبٍ ابْتَكَرْتُهُ ، وسبيلٍ انْتَهَجْتُهُ ، مع ما ضمَمْتُه ( ) { ص / 1 ب } إِليهِ مِن شوارِدِ الفرائِدِ ( ) وزَوائدِ الفوائدِ .
فرَغِبَ إِليَّ [ جماعةٌ ] ( ) ثانياً أَنْ أَضعَ عَليها شرحاً يحُلُّ رموزَها ، ويفتحُ كنوزَها ، ويوضِحُ ما خَفِيَ على المُبْتَدئ من ذلك ، فأَجَبْتُه إِلى سُؤالِهِ ؛ رجاءَ ( ) الاندِراجِ في تلكَ المسالِكِ .
فبالغتُ في شَرْحِها في الإِيضاحِ والتَّوجيهِ ، ونبَّهْتُ عَلى خَبايا زواياها ؛ لأنَّ صاحِبَ البَيْتِ أَدْرَى بِما فيهِ ، وظَهَرَ لي أَنَّ إِيرادَهُ ( ) على صُورةِ البَسْطِ أليقُ ، ودَمْجَها { هـ / 2 أ } ضِمْنَ تَوضيحِها أَوْفَقُ ، فسلكْتُ { أ / 2 أ } هذهِ الطَّريقَةَ ( ) القَليلةَ المسالِكِ ( ) .
[ فأقولُ ] ( ) طالِِباً مِن [ اللهِ ] ( ) التَّوفيقَ فيما هُنالِك :
الخَبَرُ (( قسم من أقسام الكلام يأتي في تعريفه ما يعرف به الكلام (( ثم يخرج من أقسام الكلام لأنه محتمل للصدق والكذب )) ( ) و [ هو ] ( ) )) ( ) عندَ عُلَماءِ [ هذا ( ) ] ( ) الفنِّ مرادفٌ للحَديثِ .
وقيلَ : الحَديثُ : ما جاءَ عَنِ النَّبيِّ { ن / 2 أ } صلَّى اللهُ عليهِ [ وعلى آلهِ ] ( ) وسلَّمَ ، والخَبَرُ ما جاءَ عن ( ) غيِره ، ومِنْ ثَمَّ ( ) قيلَ لمَن يشتغلُ بالتَّواريخِ وما شاكَلَها ( ) : الإخبارِيُّ ، ولمن يشتغلُ بالسُّنَّةِ النبويَّةِ : المُحَدِّثَ .
وقيل : بيْنهما { ظ / 2 ب } عُمومٌ وخُصوصٌ مُطْلقٌ ، فكلُّ حَديثٍ خبرٌ من غيرِ عَكْسٍ .
وعبَّرْتُ ( ) هنا ( ) بالخبَرِ ليكونَ أشملَ ، فهو باعتبارِ ( ) وصولِهِ إِلينا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ ؛ أي : [ أسانيدُ ] ( ) كثيرةٌ ؛ لأنَّ طُرُقاً جمعُ طريقٍ ، وفعيلٌ في الكثرةِ يُجْمَعُ على فُعُلٍ – بضمَّتينِ – ، وفي القلَّةِ على أَفْعِلَةٍ .
والمرادُ بالطُّرُقِ ( ) الأسانيدُ ، والإِسنادُ حكايةُ (( عن )) ( ) طريقِ المَتْنِ .
(( والمتن هو غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام )) ( ) .
وتلكَ الكثرَةُ أَحدُ شُروطِ التَّواتُرِ إِذا وَرَدَتْ بِلاَ حَصْرِ عَددٍ { ب / 2 أ } مُعَيَّنٍ ، [ بل ] ( ) [ تكونُ ( ) ] العادةُ قد أحالتْ تواطؤهُم (( أو توافقهم )) ( ) على الكذِبِ ، وكذا ( ) وقوعُه منهُم اتِّفاقاً مِن ( ) غيرِ قصدٍ .
فلا مَعْنى لِتعْيينِ العَدَدِ على الصَّحيحِ ، ومِنْهُم مَنْ عيَّنَهُ في الأربعةِ ، وقيلَ : في الخمْسةِ ، وقيل : في السَّبعةِ ، وقيل : في العشرةِ ، وقيلَ : في الاثنَيْ عَشَر ، وقيل : { هـ / 2 ب } في الأربعينَ ، وقيلَ : في السَّبعينَ ، وقيلَ غيرُ ذلك .
وتَمَسَّكَ كُلُّ قائل بدليل جاءَ فيه ذِكرُ [ ذلكَ ] ( ) العَدَدِ ، فأفادَ ( ) العِلْمَ (( للحال )) ( ) ، { أ / 2 ب } وليسَ بلازِمٍ أَنْ يَطَّرِدَ في غَيْرِهِ لاحتمالِ الاخْتِصاصِ .
فإذا وَرَدَ الخَبَرُ { ط / 2 أ } كذلك وانْضافَ إليهِ أَنْ يستويَ الأمْرُ فيهِ في الكثرةِ المذكورةِ من ابتدائِهِ إلى انتهائهِ – والمرادُ بالاستواءِ أَنْ لا تَنْقُصَ الكَثْرَةُ { ظ / 3 أ } المَذكورةُ في بعضِ المَواضِعِ لا أَنْ لا تَزيدَ ( ) ، إذ الزِّيادَةُ [ هُنا ] ( ) مطلوبةٌ ( ) مِن بابِ أَوْلى ( ) – ، وأَنْ يكونَ مُسْتَنَدُ انتهائِهِ ( ) الأمرَ المُشاهَدَ أو المَسموعَ ، لا مَا ثَبَتَ { ن / 2 ب } بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ .
فإِذا جَمَعَ هذهِ الشُّروطَ الأربعةَ ، وهي :
عَدَدٌ كثيرٌ أَحَالَتِ العادةُ تواطُؤهُمْ [ و ( ) توافُقَهُم ] ( ) على الكَذِبِ .
(( و )) ( ) رَوَوْا { ص / 2 أ } ذلك عن مِثْلِهِم من الابتداء إلى الانتهاءِ .
وكان مُسْتَنَدُ انْتِهائِهِمُ الحِسَّ .
وانْضافَ إلى ذلك أَنْ يَصْحَبَ ( ) خَبَرَهُمْ إِفَادَةُ العِلْمِ لِسامِعِهِ .
فهذا هو المتواتِرُ . وما تَخَلَّفَتْ إِفَادَةُ العِلْمِ عنهُ ( كانَ مَشْهوراً فقَط . فكلُّ ( ) متواتِرٍ مشهورٌ ( ) ، من غيرِ عَكْسٍ .
وقد يُقالُ ) ( ) : إِنَّ الشُّروطَ الأربعةَ إِذا حَصَلَتْ اسْتَلْزَمَتْ حُصولَ العِلْمِ ، وهُو كذلك في الغالِبِ ، (( و )) ( ) لكنْ قد تَتَخَلَّفُ ( ) عنِ البَعْضِ لمانعٍ .
(( كأن تحصل الإفادة ولم يحصل العلم كما إذا أخبر من لم يعتقد ذلك الخبر حصلت الإفادة ولم يحصل العلم )) ( ) .
وقد وَضَحَ بهذا (( التقرير )) ( ) تَعْريفُ ( ) المُتواتِرِ .
وخِلافُهُ { هـ / 3 أ } قدْ يَرِدُ بلا حَصْرٍ [ أَيضاً ] ( ) ، لكنْ مع فَقْدِ ( ) بعضِ الشُّروطِ ، أَو مَعَ حَصْرٍ بِما فَوْقَ الاثنيْنِ ؛ أي : بثلاثةٍ فصاعِداً ما لمْ يَجْمَعْ ( ) { أ / 3 أ } شُروطَ المُتواتِرِ ( ) ، أو بِهما ؛ أي : باثْنَيْنِ فقطْ ، أو بواحِدٍ [ فقَطْ ] ( ) .
والمرادُ بقولِنا : (( أَنْ يَردَ باثْنَيْنِ )) : أنْ ( ) لا يَرِدَ بأَقلَّ مِنْهُما ، فإِنْ وَرَدَ بأَكْثَرَ { ظ / 3 ب } في بعضِ المَواضِعِ ( ) مِن السَّنَدِ الواحِدِ لا يَضُرُّ ، إذ الأقلُّ في هذا [ العِلْمِ ] ( ) يَقْضي على الأكْثَرِ ( ) .
فالأوَّلُ ( ) : (( و )) ( ) (( هو )) ( ) المُتواتِرُ ( ) ، وهو المُفيدُ للعِلْمِ اليَقينِيِّ ، فأخرَجَ النَّظريَّ على ما يأْتي تقريرُه ، بِشروطِهِ [ (( أي )) ( ) التي تَقَدَّمَتْ .
{ ب / 2 ب } واليَقينُ : هو الاعتقادُ الجازِمُ المُطابِقُ ، وهذا هو المُعْتَمَدُ : أَنْ ] ( ) الخَبَرَ ( ) (( الواحد )) ( ) المُتواتِرَ ( ) يُفيدُ العِلْمَ الضَّروريَّ ، وهو الذي (( لا )) ( ) يَضْطُّر الإِنْسانُ إليهِ ( ) بحيثُ لا يُمْكِنُهُ ( ) دفْعُهُ .
وقيلَ : لا يُفيدُ العلمَ إِلاَّ نَظَرِيّاً !
وليس بشيءٍ ؛ لأنَّ العِلْم بالتَّواتُرِ ( ) حاصِلٌ لمن ليس لهُ ( ) أهليَّةُ النَّظرِ كالعامِّيِّ ، إذ النَّظرُ : ترتيبُ ( ) [ أُمورٍ معلومةٍ ] ( ) أَو مَظْنونةٍ يُتَوَصَّلُ بها ( ) إلى عُلومٍ أَو ظُنونٍ ، وليس في العامِّيِّ أهلِيَّةُ ذلك ، فلو كان نَظَرِيّاً ؛ لما حَصَل لهُم
ولاحَ { ن / 3 أ } بهذا التَّقريرِ ( ) الفرْقُ بين العِلْمِ الضَّرورِيِّ والعِلْمِ النَّظَرِيِّ ، [ إِذ ] ( ) الضَّرورِيُّ يُفيدُ العِلْمَ بلا اسْتِدلالٍ ، والنَّظريُّ يُفيدُهُ لكنْ مع الاستِدْلالِ على الإِفادةِ ( ) ، وأنَّ الضَّروريَّ يحْصُلُ لكُلِّ سامعٍ ، والنَّظَرِيَّ لا يَحْصُلُ إِلاَّ لِمَنْ فيهِ { ط / 2 ب } أهليَّةُ النَّظَرِ .
وإِنَّما { هـ / 3 ب } أََبْهَمْتُ ( ) شُروطَ التواترِ ( ) في الأَصْلِ ؛ لأنَّهُ على هذهِ الكيفيَّةِ ليسَ مِن مباحِثِ عِلْمِ الإِسْنَادِ ، (( وإنما هو من مباحث أصول الفقه )) ( ) إِذ ( ) عِلمُ { ظ / 4 أ } الإِسْناِد يُبْحَثُ فيهِ عن صِحَّةِ الحديثِ أَوْ ( ) ضَعْفِهِ ؛ لِيُعْمَلَ بِهِ { أ / 3 ب } أَو يُتْرَكَ مِن حيثُ صفاتُ الرِّجالِ ، وصِيَغُ الأداءِ ، والمُتواتِرُ ( ) لا يُبْحَثُ عَنْ رجالِهِ ، بل يجبُ العملُ بهِ مِن غيرِ بَحْثٍ .
فائدةٌ : ذَكَرَ ابنُ الصَّلاحِ أَنَّ مِثالَ المُتواتِرِ عَلى التَّفسيرِ المُتَقَدِّمِ يَعِزُّ وُجودُهُ ؛ إِلاَّ أَنْ يُدَّعَى ذلك في حَديثِ : (( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ [ مُتَعَمِّداً ؛ فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ] ( ) )) .
وما ادَّعَاهُ مِن العِزَّةِ مَمْنوعٌ ، وكذا مَا ادَّعاهُ غيرُهُ مِن العَدَمِ ؛ لأنَّ ذلك نَشَأَ عَنْ ( ) قِلَّةِ الاطِّلاعِ ( ) على كَثْرَةِ الطُّرُقِ ، وأَحْوالِ الرِّجالِ ، وصفاتِهِمُ المُقتَضِيَةِ { ص / 2 ب } لإِبعادِ العادَةِ أَنْ يَتَواطَؤوا عَلى كَذِبٍ ( ) ، أو يَحْصُلَ منهُمُ اتِّفاقاً ( ) .
ومِن أَحْسَنَ مَا يُقَرَّرُ ( ) [ بِهِ ] ( ) كونُ المُتواتِرِ مَوجوداً وُجودَ كَثْرةٍ في الأَحاديثِ أَنَّ ( ) الكُتُبَ المشهورةَ المُتَداوَلَةَ ( ) بأَيدي ( ) أَهْلِ العِلْمِ شَرْقاً وغَرْباً المَقْطوعَ عِنْدَهُم بِصِحَّةِ نِسْبَتِها إلى مُصَنِّفيها ( ) ، إذا اجْتَمَعَتْ على إِخراجِ حَديثٍ ، وتعدَّدَتْ طُرُقُه تعدُّداً تُحيلُ ( ) العادةُ تواطُؤهُمْ على الكَذِبِ إِلى آخِرِ الشُّروطِ ؛ أَفادَ العِلْمَ اليَقينيَّ بصحَّتِهِ إِلى قائِلِهِ .
ومِثْلُ ( ) [ ذلكَ ] ( ) في الكُتُبِ المَشْهُورَةِ [ كَثيرٌ ( ) ] ( ) .
والثَّاني – { ن / 3 ب } { ظ / 4 ب } وهُو أَوَّلُ أقسام الآحادِ – : ما لَهُ طُرُقٌ مَحْصورةٌ { ب / 3 أ } بأَكثرَ مِن اثْنَيْنِ وهُو المَشْهورُ عندَ المُحَدِّثينَ : سُمِّيَ بذلك { هـ / 4 أ } لوُضوحِهِ ، وهُوَ المُستفيضُ ؛ عَلى رأْيِ جماعةٍ مِن أَئمَّةِ الفُقهاءِ ، [ سُمِّيَ بذلك لانْتشارِهِ ، [ و ] ( ) مِنْ فاضَ ( ) الماءُ يَفيضُ فيضاً .
ومِنْهُم مَن غَايَرَ ( ) بينَ المُسْتَفيضِ والمَشْهورِ ؛ بأَنَّ المُسْتَفيضَ يكونُ في ابْتِدائِهِ { أ / 4 أ } وانْتِهائِهِ سَواءً ] ( ) ، والمَشْهورَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ .
ومنهُمْ مَن غايَرَ على كيفيَّةٍ أُخْرى ، وليسَ مِن مَباحِثِ هذا الفَنِّ .
ثمَّ المَشْهورُ يُطْلَقُ على مَا حُرِّرَ هُنا ( ) وعلى ما اشْتُهِرَ على الألْسِنةِ ، فيشْمَلُ ( ) ما لَهُ إِسنادٌ واحِدٌ ( ) فصاعِداً ، بل [ ما ] ( ) لا يوجَدُ لهُ إِسنادٌ أَصْلاً .
والثَّالِثُ : العَزيزُ ( ) وهُو : أَنْ لا يَرْويَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عنِ اثْنَيْنِ ، وسُمِّيَ بذلك إِمَّا لِقِلَّةِ وُجودِهِ ، [ وإِمَّا ( ) ] ( ) لكونِهِ عَزَّ – أَي : قَوِيَ – بمَجيئِهِ ( ) مِن طَريقٍ ( ) أُخْرى ( ) .
ولَيْسَ شَرْطاً للصَّحيحِ ؛ خِلافاً لمَنْ زعَمَهُ ، وهو أَبو عَليٍّ الجُبَّائيُّ مِن المُعْتزلةِ ، وإِليهِ يُومِئُ كلامُ الحاكِمِ أَبي عبد اللهِ في (( علومِ الحديثِ )) [ حيثُ ] ( ) قال : الصَّحيحُ أَنْ يَرْوِيَهُ الصَّحابِيُّ الزَّائِلُ عنهُ اسمُ الجَهالةِ ؛ بأَنْ يكونَ لهُ راوِيانِ ، ثمَّ يتداوَلَهُ ( ){ ظ / 5 أ } أَهلُ ( ) الحَديثِ إِلى وَقْتِنِا كالشَّهادَةِ [ عَلى الشَّهادَةِ ] ( ) .
{ ط / 3 أ } وصَرَّحَ القاضي أَبو بَكْرٍ بنُ العربيِّ في (( شَرْحِ البُخاريّ )) بأَنَّ ذلك شَرْطُ البُخاريِّ ، وأَجاب ( ) عمَّا ( ) أُورِدَ عليهِ مِنْ ذلك بِجوابٍ فيهِ نَظرٌ ؛ لأَنَّهُ قال : فإِنْ قيلَ : حديثُ (( (( إنما )) ( ) الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ )) فَرْدٌ ؛لم يَرْوِهِ عَنْ عُمرَ إِلاَّ عَلْقَمَةُ ( ) !
قالَ ( ) : { هـ / 4 ب } قُلْنا : [ قَدْ ] ( ) خَطَبَ بِهِ عُمَرُ [ رضيَ اللهُ عنهُ ] ( ) عَلى المِنْبَرِ بحَضْرةِ الصَّحابَةِ ، فلولا أَنَّهُمْ يَعْرِفونَهُ لأنْكروهُ !
كذا قالَ !
وتُعُقِّبَ ( ) (( عليه )) ( ) بأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ { ص / 3 أ } كَوْنِهِم سَكَتُوا عنهُ ( ) أَنْ { ن / 4 أ } يَكُونوا ( ) سَمِعوهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وبأَنَّ هذا لو سُلِّمَ في عُمَرَ مُنِعَ ( ) في ( ) تَفَرُّدِ عَلْقَمَةَ [ عنهُ ] ( ) ، ثمَّ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهيمَ بِه عَنْ عَلْقَمَةَ ، ثُمَّ تَفَرُّدِ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ بهِ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ { أ / 4 ب } عَلى ما هُو الصَّحيحُ المُعْروفُ عِنْدَ المُحَدِّثينَ .
وقَدْ وَرَدَتْ لُهْم مُتابعاتٌ لا يُعْتَبَرُ ( ) بِها [ لِضَعْفِها ] ( ) .
وكَذا ( ) لا نُسَلِّمُ ( ) جَوابَهُ في غَيْرِ حَديثِ عُمَرَ [ رضيَ اللهُ عنهُ ] ( ) .
قالَ ابنُ رُشَيْدٍ : { ب / 3 ب } ولَقَدْ كانَ يَكْفي ( ) القاضيَ في بُطْلانِ ما ادَّعَى أَنَّهُ شَرْطُ البُخاريِّ أَوَّلُ حَديثٍ مَذكورٍ فيهِ
وادَّعَى ابنُ حِبَّانَ نقيضَ دَعْواهُ ، فقالَ : إِنَّ رِوايَةَ اثنَيْنِ عَنِ اثنَيْنِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ لا تُوجَدُ ( ) أَصْلاً .
قُلْتُ : { ظ / 5 ب } إِنْ ( ) أرادَ [ [ بهِ ] ( ) أَنَّ ] ( ) رِوايَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ عَنِ اثْنَيْنِ فَقَطْ لا تُوجَدُ ( ) [ أَصْلاً ] ( ) ؛ فيُمْكِنُ أَنْ يُسَلَّمَ ، وأَمَّا صُورَةُ العَزيزِ الَّتي حَرَّرْناها ( ) فمَوْجودَةٌ بأَنْ لا يَرْوِيَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عَنْ أَقَلَّ مِنَ اثْنَيْنِ .
مثالُهُ : ما رَواهُ الشَّيْخانِ مِن حَديثِ أَنَسٍ ، والبُخاريُّ مِن حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ (( رضيَ اللهُ عنهُ )) ( ) : أَنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : (( لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِليهِ مِنْ والدِهِ وولَدِهِ ... )) الحديث .
[ و ] ( ) رواهُ عَنْ أَنَسٍ : قَتادَةُ وعبدُ العزيزِ بنُ صُهَيْبٍ ، ورواهُ عَنْ قتادَةَ : شُعْبَةُ وسعيدٌ ، ورواهُ [ عَنْ ] ( ) عبدِ العزيزِ : إِسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ وعبدُ الوارِثِ ، ورواهُ عن كُلٍّ جَماعةٌ .
والرَّابِعُ : الغَريبُ { هـ / 5 أ } وهُو : ما يَتَفَرَّدُ ( ) بِروايَتِهِ شَخْصٌ واحِدٌ في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ عَلى مَا سَيُقْسَمُ ( ) إِليهِ ( ) الغَريبُ المُطْلَقُ والغَريبُ النِّسبيُّ .
وكُلُّها أي : الأقسامُ الأرْبَعَةُ [ المَذْكورةُ ] ( ) سوى الأوَّلِ ، وهو المُتواتِرُ آحادٌ ، ويُقالُ لكُلٍّ منها : خَبَرُ واحِدٍ .
وخَبَرُ الواحِدِ في اللُّغَةِ : ما يَرويهِ { أ / 5 أ } شَخْصٌ { ن / 4 ب } واحِدٌ ، وفي الاصطِلاحِ : ما لَمْ يَجْمَعْ { ظ / 6 أ } شُروط المُتواتِرِ ( ) .
وفيها ؛ أي : [ في ] ( ) الآحَادِ ( ) : المَقْبولُ وهو : ما يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ الجُمْهورِ .
وَفيها المَرْدُودُ ، وهُو [ الَّذي ] ( ) لَمْ يَتَرَجَّحْ ( ) صِدْقُ { ط / 3 ب } المُخْبِرُ بِهِ ؛ لتوقُّفِ الاستدلالِ بها عَلى البَحْثِ عَنْ أحوالِ رواتِها ، دُونَ الأوَّلِ ، وهو المُتواتِرُ .
فكُلُّهُ ( ) مَقْبولٌ لإِفادَتِهِ ( ) القَطْعَ بِصِدْقِ { ص / 3 ب } مُخْبِرِهِ بِخلافِ غَيْرِهِ مِنْ أَخبارِ الآحادِ .
لكنْ ؛ إِنَّما وَجَبَ العَمَلُ بالمَقْبولِ مِنها ، لأَنَّها إِمَّا أَنْ يُوْجَدَ فيها أَصلُ صِفَةِ القَبولِ – وهُو ثُبوتُ صِدْقِ النَّاقِلِ – ، أَوْ أَصلُ صِفَةِ الرَّدِّ – وهُو ثُبوتُ كَذِبِ النَّاقِلِ – أَوْ لاَ :
فالأوَّلُ : يَغْلِبُ { ب / 4 أ } على الظَّنِّ [ ثُبوتُ ] ( ) (( به )) ( ) صِدْقِ الخَبَرِ لِثُبوتِ صِدْقِ ناقِلِهِ فيُؤخَذُ بِهِ .
والثَّانِي : يَغْلِبُ على الظَّنِّ (( به )) ( ) كَذِبُ الخَبَرِ لِثُبوتِ كَذِبِ ناقِلِهِ فيُطْرَحُ .
والثَّالِثُ : إِنْ وُجِدَتْ ( ) قرينَةٌ تُلْحِقُهُ بأَحَدِ القِسْمَيْنِ الْتَحَقَ ، وإِلاَّ فَيُتَوَقَّفُ فيهِ ، وإِذا تُوُقِّفَ عَنِ العَمَلِ بهِ صارَ كالمَرْدودِ ، لا لِثُبوتِ [ صِفَةِ ] ( ) الرَّدِّ ، بل لكَوْنِه لمْ تُوجَدْ ( ) (( به )) ( ) فيهِ صفةٌ توجِبُ < القَبولَ ، واللهُ أعلمُ .
وقد يَقعُ ( ) [ فيها ] ( ) ؛ أي : في أَخْبارِ الآحادِ المُنْقَسِمَة إِلى مَشْهورٍ وعَزيزٍ وغَريبٍ ؛ مَا يُفيدُ العِلْمَ { ظ / 6 ب } النَّظريَّ بالقَرائِنِ ؛ عَلى المُختارِ ؛ خِلافاً لِمَنْ أَبى ذلك .
والخِلافُ في التَّحْقيقِ لَفْظيٌّ ؛ لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إِطلاقَ العِلْمِ قَيَّدَهُ بِكونِهِ نَظَريّاً ، وهُو الحاصِلُ عن ( ) الاسْتِدلالِ ، ومَنْ أَبى الإِطلاقَ ؛ خَصَّ لَفْظ العِلْمِ بالمُتواتِرِ ، وما عَداهُ عِنْدَهُ [ كُلُّهُ ] ( ) ظَنِّيٌّ ، لكنَّهُ ( ) لا يَنْفِي { أ / 5 ب } أَنَّ ما ( ) احْتفَّ (( منه )) ( ) بالقرائِنِ أَرْجَحُ ممَّا ( ) خَلا عَنها .
يتبع ان شاء الله تعالى(من غير تصرف)
وصلّى اللهُ عَلى سَيدِنا مُحَمَّدٍ الذي أَرْسَلَهُ ( ) إِلى النَّاسِ كافةً بَشيراً ونَذيراً ، وعلى آلِ محمدٍ ( ) وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْليماً كثيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فإِنَّ التَّصانيفَ في اصْطِلاحِ ( ) (( أَهلِ الحَديثِ )) ( ) قَدْ كَثُرَتْ للأئمةِ في القديمِ (( والحَديثِ )) ( ) :
فَمِن أَوَّلِ مَن صَنَّفَ في ذلك القاضي أبو محمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيّ في كتابه (( المحدِّث الفاصل ( ) )) ، لكنَّه لم يَسْتَوْعِبْ ( ) .
والحاكِمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسَابوريُّ ، لكنَّه لم يُهَذِّبْ ولم يُرَتِّبْ .
وتلاه أَبو نُعَيْم الأصبهانِيُّ ( ) ، فعَمِل على كتابهِ (( مُسْتَخْرَجاً )) ، وأَبقى أَشياءَ للمُتَعَقِّبِ .
ثمَّ جاءَ بعدَهم الخطيبُ أبو بكرٍ ( ) البَغْدَاديُّ ، فصنَّفَ في قوانينِ الروايةِ كتاباً سمَّاه (( الكفايةَ )) ، وفي آدابِها كتاباً سمَّاه (( الجامعَ لآدابِ الشَّيْخِ والسَّامِع )) .
وقلَّ فنٌّ مِن فُنونِ الحَديثِ إِلاَّ وقد صَنَّفَ { ظ / 1 ب } فيهِ كتاباً مُفْرَداً ، فكانَ ( ) كما قال الحَافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ : كلُّ مَن أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ المحَدِّثينَ بعدَ الخَطيبِ عِيالٌ على كُتُبِهِ .
ثمَّ جاءَ [ بعدَهُم ] ( ) [ بعضُ ] ( ) مَن تَأَخَّرَ عنِ الخطيبِ فأَخَذَ مِن هذا العلمِ بنَصيبٍ :
فجمَع القاضي عِياضٌ ( ) كتاباً لطيفاً سمَّاهُ الإِلْماع (( في كتاب الإسماع )) ( ) .
وأبو حفْصٍ المَيَّانِجيُّ جُزءاً سمَّاه (( ما لا يَسَعُ المُحَدِّثَ جَهْلُه )) .
وأَمثالُ { أ / 1 ب } ذَلك مِنَ التَّصانيفِ الَّتي اشتُهِرَتْ وبُسِطَتْ { هـ / 1 ب } ليتوفَّرَ عِلْمُها ، واخْتُصِرَتْ ليتيسَّرَ فهْمُها .
{ ن / 1 ب } إِلى أَنْ جاءَ الحافِظُ الفقيهُ تقيُّ الدِّينِ أَبو عَمْرٍو عُثْمانُ بنُ الصَّلاحِ عبدِ الرحمنِ الشَّهْرَزُوريُّ – نزيلُ دمشقَ – ، [ فجَمَعَ ] ( ) - لما وَلِيَ تدريسَ الحديثِ بالمدرَسَةِ الأشرفيَّةِ – كتابَه المَشهورَ ، فهَذَّبَ فنونَهُ ، وأَملاهُ شيئاً بعدَ شيءٍ ، فلهذا لمْ يَحْصُلْ ( ) ترتيبُهُ على الوضعِ المُناسِبِ ( ) ، واعتنى بتصانيفِ الخَطيبِ { ب / 1 ب } المُتفرِّقةِ ( ) ، ( فجمَعَ شَتاتَ ) ( ) مقاصِدِها ، وضمَّ إِليها مِن غَيْرِها نُخَبَ ( ) فوائِدِها ، فاجتَمَعَ في كتابِه ما تفرَّقَ في غيرهِ ، فلهذا عَكَفَ النَّاسُ عليهِ وساروا بسَيْرِهِ ، فلا ( ) يُحْصى كم ناظِمٍ [ له ] ( ) ومُختَصِر ، ومستَدْرِكٍ [ عليهِ ] ( ) ومُقْتَصِر ، ومُعارِضٍ ( ) لهُ { ظ / 2 أ } ومُنْتَصِر !
فسأَلَني بَعْضُ الإِخوانِ ( ) أَنْ أُلَخِصَ لهُ ( ) المُهِمَّ مِنْ ذَلكَ فلخَّصْتُهُ في أوراقٍ لطيفةٍ ( ) سمَّيْتُها (( نُخْبَةَ الفِكَر في مُصْطَلحِ [ أَهلِ ] ( ) الأثَر )) على ترتيبٍ ابْتَكَرْتُهُ ، وسبيلٍ انْتَهَجْتُهُ ، مع ما ضمَمْتُه ( ) { ص / 1 ب } إِليهِ مِن شوارِدِ الفرائِدِ ( ) وزَوائدِ الفوائدِ .
فرَغِبَ إِليَّ [ جماعةٌ ] ( ) ثانياً أَنْ أَضعَ عَليها شرحاً يحُلُّ رموزَها ، ويفتحُ كنوزَها ، ويوضِحُ ما خَفِيَ على المُبْتَدئ من ذلك ، فأَجَبْتُه إِلى سُؤالِهِ ؛ رجاءَ ( ) الاندِراجِ في تلكَ المسالِكِ .
فبالغتُ في شَرْحِها في الإِيضاحِ والتَّوجيهِ ، ونبَّهْتُ عَلى خَبايا زواياها ؛ لأنَّ صاحِبَ البَيْتِ أَدْرَى بِما فيهِ ، وظَهَرَ لي أَنَّ إِيرادَهُ ( ) على صُورةِ البَسْطِ أليقُ ، ودَمْجَها { هـ / 2 أ } ضِمْنَ تَوضيحِها أَوْفَقُ ، فسلكْتُ { أ / 2 أ } هذهِ الطَّريقَةَ ( ) القَليلةَ المسالِكِ ( ) .
[ فأقولُ ] ( ) طالِِباً مِن [ اللهِ ] ( ) التَّوفيقَ فيما هُنالِك :
الخَبَرُ (( قسم من أقسام الكلام يأتي في تعريفه ما يعرف به الكلام (( ثم يخرج من أقسام الكلام لأنه محتمل للصدق والكذب )) ( ) و [ هو ] ( ) )) ( ) عندَ عُلَماءِ [ هذا ( ) ] ( ) الفنِّ مرادفٌ للحَديثِ .
وقيلَ : الحَديثُ : ما جاءَ عَنِ النَّبيِّ { ن / 2 أ } صلَّى اللهُ عليهِ [ وعلى آلهِ ] ( ) وسلَّمَ ، والخَبَرُ ما جاءَ عن ( ) غيِره ، ومِنْ ثَمَّ ( ) قيلَ لمَن يشتغلُ بالتَّواريخِ وما شاكَلَها ( ) : الإخبارِيُّ ، ولمن يشتغلُ بالسُّنَّةِ النبويَّةِ : المُحَدِّثَ .
وقيل : بيْنهما { ظ / 2 ب } عُمومٌ وخُصوصٌ مُطْلقٌ ، فكلُّ حَديثٍ خبرٌ من غيرِ عَكْسٍ .
وعبَّرْتُ ( ) هنا ( ) بالخبَرِ ليكونَ أشملَ ، فهو باعتبارِ ( ) وصولِهِ إِلينا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ ؛ أي : [ أسانيدُ ] ( ) كثيرةٌ ؛ لأنَّ طُرُقاً جمعُ طريقٍ ، وفعيلٌ في الكثرةِ يُجْمَعُ على فُعُلٍ – بضمَّتينِ – ، وفي القلَّةِ على أَفْعِلَةٍ .
والمرادُ بالطُّرُقِ ( ) الأسانيدُ ، والإِسنادُ حكايةُ (( عن )) ( ) طريقِ المَتْنِ .
(( والمتن هو غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام )) ( ) .
وتلكَ الكثرَةُ أَحدُ شُروطِ التَّواتُرِ إِذا وَرَدَتْ بِلاَ حَصْرِ عَددٍ { ب / 2 أ } مُعَيَّنٍ ، [ بل ] ( ) [ تكونُ ( ) ] العادةُ قد أحالتْ تواطؤهُم (( أو توافقهم )) ( ) على الكذِبِ ، وكذا ( ) وقوعُه منهُم اتِّفاقاً مِن ( ) غيرِ قصدٍ .
فلا مَعْنى لِتعْيينِ العَدَدِ على الصَّحيحِ ، ومِنْهُم مَنْ عيَّنَهُ في الأربعةِ ، وقيلَ : في الخمْسةِ ، وقيل : في السَّبعةِ ، وقيل : في العشرةِ ، وقيلَ : في الاثنَيْ عَشَر ، وقيل : { هـ / 2 ب } في الأربعينَ ، وقيلَ : في السَّبعينَ ، وقيلَ غيرُ ذلك .
وتَمَسَّكَ كُلُّ قائل بدليل جاءَ فيه ذِكرُ [ ذلكَ ] ( ) العَدَدِ ، فأفادَ ( ) العِلْمَ (( للحال )) ( ) ، { أ / 2 ب } وليسَ بلازِمٍ أَنْ يَطَّرِدَ في غَيْرِهِ لاحتمالِ الاخْتِصاصِ .
فإذا وَرَدَ الخَبَرُ { ط / 2 أ } كذلك وانْضافَ إليهِ أَنْ يستويَ الأمْرُ فيهِ في الكثرةِ المذكورةِ من ابتدائِهِ إلى انتهائهِ – والمرادُ بالاستواءِ أَنْ لا تَنْقُصَ الكَثْرَةُ { ظ / 3 أ } المَذكورةُ في بعضِ المَواضِعِ لا أَنْ لا تَزيدَ ( ) ، إذ الزِّيادَةُ [ هُنا ] ( ) مطلوبةٌ ( ) مِن بابِ أَوْلى ( ) – ، وأَنْ يكونَ مُسْتَنَدُ انتهائِهِ ( ) الأمرَ المُشاهَدَ أو المَسموعَ ، لا مَا ثَبَتَ { ن / 2 ب } بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ .
فإِذا جَمَعَ هذهِ الشُّروطَ الأربعةَ ، وهي :
عَدَدٌ كثيرٌ أَحَالَتِ العادةُ تواطُؤهُمْ [ و ( ) توافُقَهُم ] ( ) على الكَذِبِ .
(( و )) ( ) رَوَوْا { ص / 2 أ } ذلك عن مِثْلِهِم من الابتداء إلى الانتهاءِ .
وكان مُسْتَنَدُ انْتِهائِهِمُ الحِسَّ .
وانْضافَ إلى ذلك أَنْ يَصْحَبَ ( ) خَبَرَهُمْ إِفَادَةُ العِلْمِ لِسامِعِهِ .
فهذا هو المتواتِرُ . وما تَخَلَّفَتْ إِفَادَةُ العِلْمِ عنهُ ( كانَ مَشْهوراً فقَط . فكلُّ ( ) متواتِرٍ مشهورٌ ( ) ، من غيرِ عَكْسٍ .
وقد يُقالُ ) ( ) : إِنَّ الشُّروطَ الأربعةَ إِذا حَصَلَتْ اسْتَلْزَمَتْ حُصولَ العِلْمِ ، وهُو كذلك في الغالِبِ ، (( و )) ( ) لكنْ قد تَتَخَلَّفُ ( ) عنِ البَعْضِ لمانعٍ .
(( كأن تحصل الإفادة ولم يحصل العلم كما إذا أخبر من لم يعتقد ذلك الخبر حصلت الإفادة ولم يحصل العلم )) ( ) .
وقد وَضَحَ بهذا (( التقرير )) ( ) تَعْريفُ ( ) المُتواتِرِ .
وخِلافُهُ { هـ / 3 أ } قدْ يَرِدُ بلا حَصْرٍ [ أَيضاً ] ( ) ، لكنْ مع فَقْدِ ( ) بعضِ الشُّروطِ ، أَو مَعَ حَصْرٍ بِما فَوْقَ الاثنيْنِ ؛ أي : بثلاثةٍ فصاعِداً ما لمْ يَجْمَعْ ( ) { أ / 3 أ } شُروطَ المُتواتِرِ ( ) ، أو بِهما ؛ أي : باثْنَيْنِ فقطْ ، أو بواحِدٍ [ فقَطْ ] ( ) .
والمرادُ بقولِنا : (( أَنْ يَردَ باثْنَيْنِ )) : أنْ ( ) لا يَرِدَ بأَقلَّ مِنْهُما ، فإِنْ وَرَدَ بأَكْثَرَ { ظ / 3 ب } في بعضِ المَواضِعِ ( ) مِن السَّنَدِ الواحِدِ لا يَضُرُّ ، إذ الأقلُّ في هذا [ العِلْمِ ] ( ) يَقْضي على الأكْثَرِ ( ) .
فالأوَّلُ ( ) : (( و )) ( ) (( هو )) ( ) المُتواتِرُ ( ) ، وهو المُفيدُ للعِلْمِ اليَقينِيِّ ، فأخرَجَ النَّظريَّ على ما يأْتي تقريرُه ، بِشروطِهِ [ (( أي )) ( ) التي تَقَدَّمَتْ .
{ ب / 2 ب } واليَقينُ : هو الاعتقادُ الجازِمُ المُطابِقُ ، وهذا هو المُعْتَمَدُ : أَنْ ] ( ) الخَبَرَ ( ) (( الواحد )) ( ) المُتواتِرَ ( ) يُفيدُ العِلْمَ الضَّروريَّ ، وهو الذي (( لا )) ( ) يَضْطُّر الإِنْسانُ إليهِ ( ) بحيثُ لا يُمْكِنُهُ ( ) دفْعُهُ .
وقيلَ : لا يُفيدُ العلمَ إِلاَّ نَظَرِيّاً !
وليس بشيءٍ ؛ لأنَّ العِلْم بالتَّواتُرِ ( ) حاصِلٌ لمن ليس لهُ ( ) أهليَّةُ النَّظرِ كالعامِّيِّ ، إذ النَّظرُ : ترتيبُ ( ) [ أُمورٍ معلومةٍ ] ( ) أَو مَظْنونةٍ يُتَوَصَّلُ بها ( ) إلى عُلومٍ أَو ظُنونٍ ، وليس في العامِّيِّ أهلِيَّةُ ذلك ، فلو كان نَظَرِيّاً ؛ لما حَصَل لهُم
ولاحَ { ن / 3 أ } بهذا التَّقريرِ ( ) الفرْقُ بين العِلْمِ الضَّرورِيِّ والعِلْمِ النَّظَرِيِّ ، [ إِذ ] ( ) الضَّرورِيُّ يُفيدُ العِلْمَ بلا اسْتِدلالٍ ، والنَّظريُّ يُفيدُهُ لكنْ مع الاستِدْلالِ على الإِفادةِ ( ) ، وأنَّ الضَّروريَّ يحْصُلُ لكُلِّ سامعٍ ، والنَّظَرِيَّ لا يَحْصُلُ إِلاَّ لِمَنْ فيهِ { ط / 2 ب } أهليَّةُ النَّظَرِ .
وإِنَّما { هـ / 3 ب } أََبْهَمْتُ ( ) شُروطَ التواترِ ( ) في الأَصْلِ ؛ لأنَّهُ على هذهِ الكيفيَّةِ ليسَ مِن مباحِثِ عِلْمِ الإِسْنَادِ ، (( وإنما هو من مباحث أصول الفقه )) ( ) إِذ ( ) عِلمُ { ظ / 4 أ } الإِسْناِد يُبْحَثُ فيهِ عن صِحَّةِ الحديثِ أَوْ ( ) ضَعْفِهِ ؛ لِيُعْمَلَ بِهِ { أ / 3 ب } أَو يُتْرَكَ مِن حيثُ صفاتُ الرِّجالِ ، وصِيَغُ الأداءِ ، والمُتواتِرُ ( ) لا يُبْحَثُ عَنْ رجالِهِ ، بل يجبُ العملُ بهِ مِن غيرِ بَحْثٍ .
فائدةٌ : ذَكَرَ ابنُ الصَّلاحِ أَنَّ مِثالَ المُتواتِرِ عَلى التَّفسيرِ المُتَقَدِّمِ يَعِزُّ وُجودُهُ ؛ إِلاَّ أَنْ يُدَّعَى ذلك في حَديثِ : (( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ [ مُتَعَمِّداً ؛ فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ] ( ) )) .
وما ادَّعَاهُ مِن العِزَّةِ مَمْنوعٌ ، وكذا مَا ادَّعاهُ غيرُهُ مِن العَدَمِ ؛ لأنَّ ذلك نَشَأَ عَنْ ( ) قِلَّةِ الاطِّلاعِ ( ) على كَثْرَةِ الطُّرُقِ ، وأَحْوالِ الرِّجالِ ، وصفاتِهِمُ المُقتَضِيَةِ { ص / 2 ب } لإِبعادِ العادَةِ أَنْ يَتَواطَؤوا عَلى كَذِبٍ ( ) ، أو يَحْصُلَ منهُمُ اتِّفاقاً ( ) .
ومِن أَحْسَنَ مَا يُقَرَّرُ ( ) [ بِهِ ] ( ) كونُ المُتواتِرِ مَوجوداً وُجودَ كَثْرةٍ في الأَحاديثِ أَنَّ ( ) الكُتُبَ المشهورةَ المُتَداوَلَةَ ( ) بأَيدي ( ) أَهْلِ العِلْمِ شَرْقاً وغَرْباً المَقْطوعَ عِنْدَهُم بِصِحَّةِ نِسْبَتِها إلى مُصَنِّفيها ( ) ، إذا اجْتَمَعَتْ على إِخراجِ حَديثٍ ، وتعدَّدَتْ طُرُقُه تعدُّداً تُحيلُ ( ) العادةُ تواطُؤهُمْ على الكَذِبِ إِلى آخِرِ الشُّروطِ ؛ أَفادَ العِلْمَ اليَقينيَّ بصحَّتِهِ إِلى قائِلِهِ .
ومِثْلُ ( ) [ ذلكَ ] ( ) في الكُتُبِ المَشْهُورَةِ [ كَثيرٌ ( ) ] ( ) .
والثَّاني – { ن / 3 ب } { ظ / 4 ب } وهُو أَوَّلُ أقسام الآحادِ – : ما لَهُ طُرُقٌ مَحْصورةٌ { ب / 3 أ } بأَكثرَ مِن اثْنَيْنِ وهُو المَشْهورُ عندَ المُحَدِّثينَ : سُمِّيَ بذلك { هـ / 4 أ } لوُضوحِهِ ، وهُوَ المُستفيضُ ؛ عَلى رأْيِ جماعةٍ مِن أَئمَّةِ الفُقهاءِ ، [ سُمِّيَ بذلك لانْتشارِهِ ، [ و ] ( ) مِنْ فاضَ ( ) الماءُ يَفيضُ فيضاً .
ومِنْهُم مَن غَايَرَ ( ) بينَ المُسْتَفيضِ والمَشْهورِ ؛ بأَنَّ المُسْتَفيضَ يكونُ في ابْتِدائِهِ { أ / 4 أ } وانْتِهائِهِ سَواءً ] ( ) ، والمَشْهورَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ .
ومنهُمْ مَن غايَرَ على كيفيَّةٍ أُخْرى ، وليسَ مِن مَباحِثِ هذا الفَنِّ .
ثمَّ المَشْهورُ يُطْلَقُ على مَا حُرِّرَ هُنا ( ) وعلى ما اشْتُهِرَ على الألْسِنةِ ، فيشْمَلُ ( ) ما لَهُ إِسنادٌ واحِدٌ ( ) فصاعِداً ، بل [ ما ] ( ) لا يوجَدُ لهُ إِسنادٌ أَصْلاً .
والثَّالِثُ : العَزيزُ ( ) وهُو : أَنْ لا يَرْويَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عنِ اثْنَيْنِ ، وسُمِّيَ بذلك إِمَّا لِقِلَّةِ وُجودِهِ ، [ وإِمَّا ( ) ] ( ) لكونِهِ عَزَّ – أَي : قَوِيَ – بمَجيئِهِ ( ) مِن طَريقٍ ( ) أُخْرى ( ) .
ولَيْسَ شَرْطاً للصَّحيحِ ؛ خِلافاً لمَنْ زعَمَهُ ، وهو أَبو عَليٍّ الجُبَّائيُّ مِن المُعْتزلةِ ، وإِليهِ يُومِئُ كلامُ الحاكِمِ أَبي عبد اللهِ في (( علومِ الحديثِ )) [ حيثُ ] ( ) قال : الصَّحيحُ أَنْ يَرْوِيَهُ الصَّحابِيُّ الزَّائِلُ عنهُ اسمُ الجَهالةِ ؛ بأَنْ يكونَ لهُ راوِيانِ ، ثمَّ يتداوَلَهُ ( ){ ظ / 5 أ } أَهلُ ( ) الحَديثِ إِلى وَقْتِنِا كالشَّهادَةِ [ عَلى الشَّهادَةِ ] ( ) .
{ ط / 3 أ } وصَرَّحَ القاضي أَبو بَكْرٍ بنُ العربيِّ في (( شَرْحِ البُخاريّ )) بأَنَّ ذلك شَرْطُ البُخاريِّ ، وأَجاب ( ) عمَّا ( ) أُورِدَ عليهِ مِنْ ذلك بِجوابٍ فيهِ نَظرٌ ؛ لأَنَّهُ قال : فإِنْ قيلَ : حديثُ (( (( إنما )) ( ) الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ )) فَرْدٌ ؛لم يَرْوِهِ عَنْ عُمرَ إِلاَّ عَلْقَمَةُ ( ) !
قالَ ( ) : { هـ / 4 ب } قُلْنا : [ قَدْ ] ( ) خَطَبَ بِهِ عُمَرُ [ رضيَ اللهُ عنهُ ] ( ) عَلى المِنْبَرِ بحَضْرةِ الصَّحابَةِ ، فلولا أَنَّهُمْ يَعْرِفونَهُ لأنْكروهُ !
كذا قالَ !
وتُعُقِّبَ ( ) (( عليه )) ( ) بأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ { ص / 3 أ } كَوْنِهِم سَكَتُوا عنهُ ( ) أَنْ { ن / 4 أ } يَكُونوا ( ) سَمِعوهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وبأَنَّ هذا لو سُلِّمَ في عُمَرَ مُنِعَ ( ) في ( ) تَفَرُّدِ عَلْقَمَةَ [ عنهُ ] ( ) ، ثمَّ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهيمَ بِه عَنْ عَلْقَمَةَ ، ثُمَّ تَفَرُّدِ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ بهِ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ { أ / 4 ب } عَلى ما هُو الصَّحيحُ المُعْروفُ عِنْدَ المُحَدِّثينَ .
وقَدْ وَرَدَتْ لُهْم مُتابعاتٌ لا يُعْتَبَرُ ( ) بِها [ لِضَعْفِها ] ( ) .
وكَذا ( ) لا نُسَلِّمُ ( ) جَوابَهُ في غَيْرِ حَديثِ عُمَرَ [ رضيَ اللهُ عنهُ ] ( ) .
قالَ ابنُ رُشَيْدٍ : { ب / 3 ب } ولَقَدْ كانَ يَكْفي ( ) القاضيَ في بُطْلانِ ما ادَّعَى أَنَّهُ شَرْطُ البُخاريِّ أَوَّلُ حَديثٍ مَذكورٍ فيهِ
وادَّعَى ابنُ حِبَّانَ نقيضَ دَعْواهُ ، فقالَ : إِنَّ رِوايَةَ اثنَيْنِ عَنِ اثنَيْنِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ لا تُوجَدُ ( ) أَصْلاً .
قُلْتُ : { ظ / 5 ب } إِنْ ( ) أرادَ [ [ بهِ ] ( ) أَنَّ ] ( ) رِوايَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ عَنِ اثْنَيْنِ فَقَطْ لا تُوجَدُ ( ) [ أَصْلاً ] ( ) ؛ فيُمْكِنُ أَنْ يُسَلَّمَ ، وأَمَّا صُورَةُ العَزيزِ الَّتي حَرَّرْناها ( ) فمَوْجودَةٌ بأَنْ لا يَرْوِيَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عَنْ أَقَلَّ مِنَ اثْنَيْنِ .
مثالُهُ : ما رَواهُ الشَّيْخانِ مِن حَديثِ أَنَسٍ ، والبُخاريُّ مِن حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ (( رضيَ اللهُ عنهُ )) ( ) : أَنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : (( لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِليهِ مِنْ والدِهِ وولَدِهِ ... )) الحديث .
[ و ] ( ) رواهُ عَنْ أَنَسٍ : قَتادَةُ وعبدُ العزيزِ بنُ صُهَيْبٍ ، ورواهُ عَنْ قتادَةَ : شُعْبَةُ وسعيدٌ ، ورواهُ [ عَنْ ] ( ) عبدِ العزيزِ : إِسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ وعبدُ الوارِثِ ، ورواهُ عن كُلٍّ جَماعةٌ .
والرَّابِعُ : الغَريبُ { هـ / 5 أ } وهُو : ما يَتَفَرَّدُ ( ) بِروايَتِهِ شَخْصٌ واحِدٌ في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ عَلى مَا سَيُقْسَمُ ( ) إِليهِ ( ) الغَريبُ المُطْلَقُ والغَريبُ النِّسبيُّ .
وكُلُّها أي : الأقسامُ الأرْبَعَةُ [ المَذْكورةُ ] ( ) سوى الأوَّلِ ، وهو المُتواتِرُ آحادٌ ، ويُقالُ لكُلٍّ منها : خَبَرُ واحِدٍ .
وخَبَرُ الواحِدِ في اللُّغَةِ : ما يَرويهِ { أ / 5 أ } شَخْصٌ { ن / 4 ب } واحِدٌ ، وفي الاصطِلاحِ : ما لَمْ يَجْمَعْ { ظ / 6 أ } شُروط المُتواتِرِ ( ) .
وفيها ؛ أي : [ في ] ( ) الآحَادِ ( ) : المَقْبولُ وهو : ما يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ الجُمْهورِ .
وَفيها المَرْدُودُ ، وهُو [ الَّذي ] ( ) لَمْ يَتَرَجَّحْ ( ) صِدْقُ { ط / 3 ب } المُخْبِرُ بِهِ ؛ لتوقُّفِ الاستدلالِ بها عَلى البَحْثِ عَنْ أحوالِ رواتِها ، دُونَ الأوَّلِ ، وهو المُتواتِرُ .
فكُلُّهُ ( ) مَقْبولٌ لإِفادَتِهِ ( ) القَطْعَ بِصِدْقِ { ص / 3 ب } مُخْبِرِهِ بِخلافِ غَيْرِهِ مِنْ أَخبارِ الآحادِ .
لكنْ ؛ إِنَّما وَجَبَ العَمَلُ بالمَقْبولِ مِنها ، لأَنَّها إِمَّا أَنْ يُوْجَدَ فيها أَصلُ صِفَةِ القَبولِ – وهُو ثُبوتُ صِدْقِ النَّاقِلِ – ، أَوْ أَصلُ صِفَةِ الرَّدِّ – وهُو ثُبوتُ كَذِبِ النَّاقِلِ – أَوْ لاَ :
فالأوَّلُ : يَغْلِبُ { ب / 4 أ } على الظَّنِّ [ ثُبوتُ ] ( ) (( به )) ( ) صِدْقِ الخَبَرِ لِثُبوتِ صِدْقِ ناقِلِهِ فيُؤخَذُ بِهِ .
والثَّانِي : يَغْلِبُ على الظَّنِّ (( به )) ( ) كَذِبُ الخَبَرِ لِثُبوتِ كَذِبِ ناقِلِهِ فيُطْرَحُ .
والثَّالِثُ : إِنْ وُجِدَتْ ( ) قرينَةٌ تُلْحِقُهُ بأَحَدِ القِسْمَيْنِ الْتَحَقَ ، وإِلاَّ فَيُتَوَقَّفُ فيهِ ، وإِذا تُوُقِّفَ عَنِ العَمَلِ بهِ صارَ كالمَرْدودِ ، لا لِثُبوتِ [ صِفَةِ ] ( ) الرَّدِّ ، بل لكَوْنِه لمْ تُوجَدْ ( ) (( به )) ( ) فيهِ صفةٌ توجِبُ < القَبولَ ، واللهُ أعلمُ .
وقد يَقعُ ( ) [ فيها ] ( ) ؛ أي : في أَخْبارِ الآحادِ المُنْقَسِمَة إِلى مَشْهورٍ وعَزيزٍ وغَريبٍ ؛ مَا يُفيدُ العِلْمَ { ظ / 6 ب } النَّظريَّ بالقَرائِنِ ؛ عَلى المُختارِ ؛ خِلافاً لِمَنْ أَبى ذلك .
والخِلافُ في التَّحْقيقِ لَفْظيٌّ ؛ لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إِطلاقَ العِلْمِ قَيَّدَهُ بِكونِهِ نَظَريّاً ، وهُو الحاصِلُ عن ( ) الاسْتِدلالِ ، ومَنْ أَبى الإِطلاقَ ؛ خَصَّ لَفْظ العِلْمِ بالمُتواتِرِ ، وما عَداهُ عِنْدَهُ [ كُلُّهُ ] ( ) ظَنِّيٌّ ، لكنَّهُ ( ) لا يَنْفِي { أ / 5 ب } أَنَّ ما ( ) احْتفَّ (( منه )) ( ) بالقرائِنِ أَرْجَحُ ممَّا ( ) خَلا عَنها .
يتبع ان شاء الله تعالى(من غير تصرف)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى