شهر رمضان وقفات واحكام
صفحة 1 من اصل 1
شهر رمضان وقفات واحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
يتضمن شهر رمضان مسائل مهمة يحتاج كل مسلم إلى مذاكرتها ، أُوجزها في هذه الوقفات :
الوقفة الأولى : حكم الصيام : إن أول ما فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة كان على التخيير : فمن شاء صامه وهو أفضل ، ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً ، ثم أُلزم الناس بصيامه حين نزل قوله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة : 185] ، وكان الحكم في أول الأمر : أن من نام بعد غروب الشمس وجب عليه الإمساك عن المفطرات ، ولو استيقظ ليلاً ، حتى تغرب الشمس من الغد ؛ فعن البراء رضي الله عنه قال : (كان أصحاب محمد إذا كان الرجل صائماً ، فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإنّ قيس بن حرمة الأنصاري كان صائماً ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك .
وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته ،فلما رأته ،قالت : خيبةً لك . فلما انتصف النهار غُشي عليه ، فذُكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، فنزلت هذه الآية : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } [البقرة : 187] ، ففرحوا بها فرحاً شديداً ، ونزلت : { (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حََتَّى يَتََبَيَّنَ لََكُمُ الخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأََسْوَدِ } ) [1] [البقرة : 187] .
الوقفة الثانية : حكمة الصيام : قال تعالى : { يَا أََيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة : 183] ، في هذه الآية إشارة إلى حكمة من حكم الصيام ،وهي تحقيق تقوى الله ؛ فإن النفس إذا تركت ما هو مباح في الأصل وهو الأكل والشرب امتثالاً لأمر الله في نهار رمضان كان ذلك داعياً لترك المحرمات الأخرى ،ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [2] ، وقد هيأ الله لنا هذا الشهر بإضعاف كيد الشيطان وشره كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وسُلْسِلت الشياطين) [3] .
ولا بد من توطين النفس وتهيئتها في أيام الصيام لتحقيق هذه الحكمة كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال : (والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) [4] .
الوقفة الثالثة : فضل الصيام : ورد في فضل الصيام نصوص كثيرة ، وأعظم ما ورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (يقول الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي والصوم جنة [5] ، وللصائم فرحتان : فرحة حين يفطر ، وفرحة حين يلقى ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) [6] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [7] .
الوقفة الرابعة : أحكام الصيام :
أولاً : يثبت دخول شهر رمضان برؤية الهلال ؛ فإن لم يُرَ أو حال دون رؤيته غيم أو قتر أُتِم شهر شعبان ثلاثين يوماً ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو القاسم : (صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ؛ فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) [8] .
والراجح أنه يكفي في ثبوت الرؤية خبرُ واحدٍ من المسلمين .
وهو مذهب الشافعي [9] ، والحنابلة [10] ، وقول ابن حزم [11] واختيار ابن تيمية [12] وابن القيم [13] .
والدليل عليه قول ابن عمر رضي الله عنهما : (تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه) [14] .
ثانياً : يحرم صيام آخر يومين من شعبان أو آخر يوم منه إلا أن يوافق ذلك يوماً كان من عادته صيامه ك (الإثنين ، والخميس) فيجوز عندئذٍ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال : (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصمْ ذلك اليوم) [15] .
ثالثاً : يحرم على القول الراجح وهو مذهب الشافعي [16] صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر ؛ لحديث أبي هريرة السابق ، ولقول عمار رضي الله عنه : ( من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم) [17] .
رابعاً : شروط وجوب الصيام ثلاثة :
1- العقل .
2- البلوغ .
3- القدرة عليه .
شروط صحة الصيام أربعة :
1- الإسلام .
2- العقل .
3- انقطاع دم الحيض والنفاس .
4- النية من الليل لكل يوم واجب .
لحديث حفصة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (من لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له) [18] .
وهذا نص صريح لاشتراط النية لكل ليلة ؛ فمن كان مسافراً وقد نوى الفطر من الليل ، ثم عزم على الصوم بعد طلوع الفجر لم يصح صومه .
وينبغي على العبد أن يبتعد عن وسواس الشيطان في النية ؛ فإن النية لا تحتاج إلى تكلف ؛ فمتى خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى .
خامساً : فرض الصيام : الإمساكُ عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ، لقوله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حََتَّى يَتََبَيَّنَ لََكُمُ الخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأََسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أََتِمُّوا الصِّيَامََ إلَى اللَّيْلِ } [البقرة : 187] .
سادساً : مفطرات الصوم :
1- الأكل والشرب .
2- ما كان في معنى الأكل والشرب ، وهو ثلاثة أشياء :
أ- القطرة في الأنف التي تصل إلى الحلق ، وهو مأخوذ من قوله : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) أخرجه مسلم ، فإنه يفهم أنه لو دخل الماء من الأنف إلى الجوف أفطر .
ب- الإبر المغذية ؛ فإنها تقوم مقام الأكل والشرب فتأخذ حكمها ، وكذا المغذي الذي يصل إلى المعدة عن طريق الأنف .
ج- حقن الدم في المريض ؛ لأن الدم هو غاية الأكل والشرب فكان بمعناه [19] .
3- الجماع : وهو من المفطرات بالإجماع [20] .
4- إنزال المني باختياره بمباشرة أو استمناء ، أو غير ذلك ؛ لأنه في معنى الجماع ، ولأنه من الشهوة التي يدعها الصائم كما سبق في حديث أبي هريرة مرفوعاً وفيه : ( يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي ) [21] ومعلوم أن من أنزل المني عامداً مختاراً باستمناء أو غيره ، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها ، أما الاحتلام فليس مفطراً بالإجماع [22] .
5- التقيؤ عمداً ، وهذا مفطر أيضاً بالإجماع [23] ، أما من غلبه القيء فلا يفطر ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض) [24] .
6- خروج دم الحيض والنفاس ، بالإجماع [25] ؛ فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من النهار ، أو كانت حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر فسد صومها ؛ ومن الأدلة عليه حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً : (أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ ؟ ) [26] .
7- اختلف أهل العلم في الحجامة : هل تفطر أو لا ؟ وسبب الخلاف في هذه المسألة : التعارض الظاهر بين حديث ثوبان مرفوعاً : (أفطر الحاجم والمحجوم) [27] ، وحديث ابن عباس : (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم ) [28] ، واختلف أهل العلم في طريق الترجيح بينهما لتعذر الجمع بينهما فاختار ابن تيمية [29] وابن القيم [30] وهو مذهب الحنابلة [31] تقديم حديث : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) لأنه ناقل عن الأصل ، أما حديث ابن عباس فمبقٍ على الأصل ، والناقل عن الأصل مقدم على المبقي ، كما هو مقرر في قواعد الترجيح بين الأدلة المتعارضة .
والراجح تقديم حديث ابن عباس وأن الحجامة ليست من المفطرات وهو مذهب الجمهور ؛ وذلك أنه لا يُصار إلى إعمال قواعد الترجيح بين الأدلة إلا إذا جهل التاريخ ، أما إذا علم فيجب العمل بالمتأخر ويكون ناسخاً للمتقدم [32] ، وقد علم هنا بخبر الصحابي من حديثين :
الأول : حديث أنس بن مالك قال : (أول ما كُرِهَت الحجامة للصائم ، أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : أفطر هذان ، ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدُ في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم) [33] .
الثاني : حديث أبي سعيد الخدري قال : (رخص رسول الله في القبلة للصائم والحجامة ) [34] ، والرخصة إنما تكون بعد العزيمة فيكون الحديثان نصاً في النسخ فوجب العمل بهما [35] .
8- الراجح في القطرة في العين أو الأذن والكحل ، ومداواة الجروح الغائرة ، وشم الطيب ، والإبر غير المغذية ، وإدخال علاج لمريض من الفرج : أنها لا تفطر ؛ لأنه ليس أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ، فتبقى على الأصل وهو الجواز ، وما أحسن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا حيث قال : ( ... فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله على الصائم ، وأفسد الصوم بها ، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوها سائر شرعه ،فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً ، علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك ) [36] .
سابعاً : من أفطر ناسياً أو مخطئاً فصومه صحيح ولا قضاء عليه كمن ظن أن الفجر لم يطلع فأكل وهو طالع ، أو ظن أن الشمس غربت فأكل وهي لم تغرب .
ومن الأدلة على ذلك :
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه) [37] .
2- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : (أفطرنا على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم غيم ثم طلعت الشمس) [38] .
ولم يُنقل أنهم قضوا ذلك اليوم ؛ ولو أُمِرُوا بقضائه لنُقل إلينا كما نُقِلَ فطرهم [39] .
تنويه : سقط سهواً في العدد (119) (ص9) في مقال (هل يمكن التعاون بين المسلمين مع وجود الاختلاف) فقرة هامة أحببنا التنبيه إليها .
والسقط بعد قوله : فما المحذور الشرعي من ذلك التعاون : ( سيبادر أحد بالقول ، ولكن قد يكون الأمر بالمعروف على مذهبهم ، أي فيه نشر لمذهبهم ، وقد يكون بناء المسجد لتقاوم فيه حلقات الذكر ، أو لتدريس عقائد الأشاعرة ونحو ذلك ) ثم يأتي بعد ذلك : فالجواب عندئذ ... إلخ .
(1) أخرجه البخاري ، ح/1915 .
(2) أخرجه البخاري ، ح/1903 .
(3) أخرجه البخاري ، ح/1899 ، ومسلم ، ح/1079 .
(4) أخرجه البخاري ، ح/1904 .
(5) أي شر ووقاية من الآثام والنار (فتح الباري 4/125) .
(6) أخرجه البخاري ، ح/1894 ، 1904 ، 7492 ، ومسلم ح/1151 .
(7) أخرجه البخاري ، ح/1901 .
(8) أخرجه البخاري ، ح/1909 .
(9) انظر : روضة الطالبين (2/207) .
(10) انطر : الفروع (3/14) .
(11) انطر : المحلى (4/373) .
(12) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية (25/105) .
(13) انظر : زاد المعاد (2/38) .
(14) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وقال ابن حزم : (هذا خبر صحيح) ؛ وصححه الألباني (انظر الإرواء 4/16) .
(15) أخرجه البخاري ، ح/1914 ، ومسلم ، ح/1082 .
(16) المهذب والمجموع (6/275) .
(17) حديث صحيح أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ، ووصله أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم (انظر فتح الباري 4/144) ومختصر صحيح البخاري للألباني (1/444) .
(18) صحيح أبي داود ، ح/2454 .
(19) انظر مجالس شهر رمضان لابن عثيمين ، ص 66 .
(20) حكاه النووي في المجموع (4/348) .
(21) انظر المغني 4/361 363 ، والمجموع 6/349 ، وحقيقة الصيام لابن تيمية ، ص 23 .
(22) انطر المجموع 6/349 .
(23) حكاه ابن المنذر في كتاب الإجماع ، ص 15 .
(24) صحيح أبي داود ، ح/380 .
(25) حكاه ابن قدامة وغيره ، انطر المغني 4/397 .
(26) أخرجه البخاري ، ح/304 .
(27) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم ، وصححه الإمام أحمد والبخاري والدارمي وغيرهم ، انظر فتح الباري ، 4/409 .
(28) أخرجه البخاري ، ح/5694 .
(29) حقيقة الصيام ، ص 23 .
(30) زاد المعاد ، 2/60 .
(31) الفروع ، 3/47 .
(32) انظر البحر المحيط للزركشي (6/140) .
(33) أخرجه الدارقطني وصححه وأقره البيهقي في السنن الكبرى ، وصححه الألباني (انظر الإرواء 4/73) .
(34) أخرجه الطبراني والدارقطني قال ابن حزم : إسناده صحيح وصححه الألباني (انظر الإرواء
4/74) .
(35) انظر الإرواء 4/75 .
(36) حقيقة الصيام ، ص 37 .
(37) أخرجه البخاري ، ح/6669 .
(38) أخرجه البخاري ، ح/1960 .
(39) انظر حقيقة الصيام ، ص 34 .
يتضمن شهر رمضان مسائل مهمة يحتاج كل مسلم إلى مذاكرتها ، أُوجزها في هذه الوقفات :
الوقفة الأولى : حكم الصيام : إن أول ما فرض صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة كان على التخيير : فمن شاء صامه وهو أفضل ، ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً ، ثم أُلزم الناس بصيامه حين نزل قوله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [البقرة : 185] ، وكان الحكم في أول الأمر : أن من نام بعد غروب الشمس وجب عليه الإمساك عن المفطرات ، ولو استيقظ ليلاً ، حتى تغرب الشمس من الغد ؛ فعن البراء رضي الله عنه قال : (كان أصحاب محمد إذا كان الرجل صائماً ، فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي، وإنّ قيس بن حرمة الأنصاري كان صائماً ، فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت : لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك .
وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه، فجاءته امرأته ،فلما رأته ،قالت : خيبةً لك . فلما انتصف النهار غُشي عليه ، فذُكر ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- ، فنزلت هذه الآية : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } [البقرة : 187] ، ففرحوا بها فرحاً شديداً ، ونزلت : { (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حََتَّى يَتََبَيَّنَ لََكُمُ الخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأََسْوَدِ } ) [1] [البقرة : 187] .
الوقفة الثانية : حكمة الصيام : قال تعالى : { يَا أََيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة : 183] ، في هذه الآية إشارة إلى حكمة من حكم الصيام ،وهي تحقيق تقوى الله ؛ فإن النفس إذا تركت ما هو مباح في الأصل وهو الأكل والشرب امتثالاً لأمر الله في نهار رمضان كان ذلك داعياً لترك المحرمات الأخرى ،ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (من لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [2] ، وقد هيأ الله لنا هذا الشهر بإضعاف كيد الشيطان وشره كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وسُلْسِلت الشياطين) [3] .
ولا بد من توطين النفس وتهيئتها في أيام الصيام لتحقيق هذه الحكمة كما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال : (والصيام جنة ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم) [4] .
الوقفة الثالثة : فضل الصيام : ورد في فضل الصيام نصوص كثيرة ، وأعظم ما ورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (يقول الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي والصوم جنة [5] ، وللصائم فرحتان : فرحة حين يفطر ، وفرحة حين يلقى ربه ، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) [6] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [7] .
الوقفة الرابعة : أحكام الصيام :
أولاً : يثبت دخول شهر رمضان برؤية الهلال ؛ فإن لم يُرَ أو حال دون رؤيته غيم أو قتر أُتِم شهر شعبان ثلاثين يوماً ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال أبو القاسم : (صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ؛ فإن غُبِّيَ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) [8] .
والراجح أنه يكفي في ثبوت الرؤية خبرُ واحدٍ من المسلمين .
وهو مذهب الشافعي [9] ، والحنابلة [10] ، وقول ابن حزم [11] واختيار ابن تيمية [12] وابن القيم [13] .
والدليل عليه قول ابن عمر رضي الله عنهما : (تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه) [14] .
ثانياً : يحرم صيام آخر يومين من شعبان أو آخر يوم منه إلا أن يوافق ذلك يوماً كان من عادته صيامه ك (الإثنين ، والخميس) فيجوز عندئذٍ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ قال : (لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصمْ ذلك اليوم) [15] .
ثالثاً : يحرم على القول الراجح وهو مذهب الشافعي [16] صيام يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال غيم أو قتر ؛ لحديث أبي هريرة السابق ، ولقول عمار رضي الله عنه : ( من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم) [17] .
رابعاً : شروط وجوب الصيام ثلاثة :
1- العقل .
2- البلوغ .
3- القدرة عليه .
شروط صحة الصيام أربعة :
1- الإسلام .
2- العقل .
3- انقطاع دم الحيض والنفاس .
4- النية من الليل لكل يوم واجب .
لحديث حفصة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (من لم يبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له) [18] .
وهذا نص صريح لاشتراط النية لكل ليلة ؛ فمن كان مسافراً وقد نوى الفطر من الليل ، ثم عزم على الصوم بعد طلوع الفجر لم يصح صومه .
وينبغي على العبد أن يبتعد عن وسواس الشيطان في النية ؛ فإن النية لا تحتاج إلى تكلف ؛ فمتى خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى .
خامساً : فرض الصيام : الإمساكُ عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ، لقوله تعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حََتَّى يَتََبَيَّنَ لََكُمُ الخَيْطُ الأََبْيَضُ مِنَ الخَيْطِ الأََسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ ثُمَّ أََتِمُّوا الصِّيَامََ إلَى اللَّيْلِ } [البقرة : 187] .
سادساً : مفطرات الصوم :
1- الأكل والشرب .
2- ما كان في معنى الأكل والشرب ، وهو ثلاثة أشياء :
أ- القطرة في الأنف التي تصل إلى الحلق ، وهو مأخوذ من قوله : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً) أخرجه مسلم ، فإنه يفهم أنه لو دخل الماء من الأنف إلى الجوف أفطر .
ب- الإبر المغذية ؛ فإنها تقوم مقام الأكل والشرب فتأخذ حكمها ، وكذا المغذي الذي يصل إلى المعدة عن طريق الأنف .
ج- حقن الدم في المريض ؛ لأن الدم هو غاية الأكل والشرب فكان بمعناه [19] .
3- الجماع : وهو من المفطرات بالإجماع [20] .
4- إنزال المني باختياره بمباشرة أو استمناء ، أو غير ذلك ؛ لأنه في معنى الجماع ، ولأنه من الشهوة التي يدعها الصائم كما سبق في حديث أبي هريرة مرفوعاً وفيه : ( يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي ) [21] ومعلوم أن من أنزل المني عامداً مختاراً باستمناء أو غيره ، فقد أنفذ شهوته ولم يدعها ، أما الاحتلام فليس مفطراً بالإجماع [22] .
5- التقيؤ عمداً ، وهذا مفطر أيضاً بالإجماع [23] ، أما من غلبه القيء فلا يفطر ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقض) [24] .
6- خروج دم الحيض والنفاس ، بالإجماع [25] ؛ فمتى وُجد دم الحيض أو النفاس في آخر جزء من النهار ، أو كانت حائضاً فطهرت بعد طلوع الفجر فسد صومها ؛ ومن الأدلة عليه حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً : (أليس إذا حاضت لم تُصَلِّ ولم تَصُمْ ؟ ) [26] .
7- اختلف أهل العلم في الحجامة : هل تفطر أو لا ؟ وسبب الخلاف في هذه المسألة : التعارض الظاهر بين حديث ثوبان مرفوعاً : (أفطر الحاجم والمحجوم) [27] ، وحديث ابن عباس : (أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم ) [28] ، واختلف أهل العلم في طريق الترجيح بينهما لتعذر الجمع بينهما فاختار ابن تيمية [29] وابن القيم [30] وهو مذهب الحنابلة [31] تقديم حديث : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) لأنه ناقل عن الأصل ، أما حديث ابن عباس فمبقٍ على الأصل ، والناقل عن الأصل مقدم على المبقي ، كما هو مقرر في قواعد الترجيح بين الأدلة المتعارضة .
والراجح تقديم حديث ابن عباس وأن الحجامة ليست من المفطرات وهو مذهب الجمهور ؛ وذلك أنه لا يُصار إلى إعمال قواعد الترجيح بين الأدلة إلا إذا جهل التاريخ ، أما إذا علم فيجب العمل بالمتأخر ويكون ناسخاً للمتقدم [32] ، وقد علم هنا بخبر الصحابي من حديثين :
الأول : حديث أنس بن مالك قال : (أول ما كُرِهَت الحجامة للصائم ، أن جعفر بن أبي طالب احتجم وهو صائم فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : أفطر هذان ، ثم رخص النبي -صلى الله عليه وسلم- بعدُ في الحجامة للصائم ، وكان أنس يحتجم وهو صائم) [33] .
الثاني : حديث أبي سعيد الخدري قال : (رخص رسول الله في القبلة للصائم والحجامة ) [34] ، والرخصة إنما تكون بعد العزيمة فيكون الحديثان نصاً في النسخ فوجب العمل بهما [35] .
8- الراجح في القطرة في العين أو الأذن والكحل ، ومداواة الجروح الغائرة ، وشم الطيب ، والإبر غير المغذية ، وإدخال علاج لمريض من الفرج : أنها لا تفطر ؛ لأنه ليس أكلاً ولا شرباً ولا في معناهما ، فتبقى على الأصل وهو الجواز ، وما أحسن كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا حيث قال : ( ... فإن الصيام من دين الإسلام الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام ، فلو كانت هذه الأمور مما حرمها الله ورسوله على الصائم ، وأفسد الصوم بها ، لكان هذا مما يجب على الرسول بيانه ، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلغوه الأمة كما بلغوها سائر شرعه ،فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك لا حديثاً صحيحاً ولا ضعيفاً ولا مسنداً ولا مرسلاً ، علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك ) [36] .
سابعاً : من أفطر ناسياً أو مخطئاً فصومه صحيح ولا قضاء عليه كمن ظن أن الفجر لم يطلع فأكل وهو طالع ، أو ظن أن الشمس غربت فأكل وهي لم تغرب .
ومن الأدلة على ذلك :
1- حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : (من أكل ناسياً وهو صائم فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه) [37] .
2- عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : (أفطرنا على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم غيم ثم طلعت الشمس) [38] .
ولم يُنقل أنهم قضوا ذلك اليوم ؛ ولو أُمِرُوا بقضائه لنُقل إلينا كما نُقِلَ فطرهم [39] .
تنويه : سقط سهواً في العدد (119) (ص9) في مقال (هل يمكن التعاون بين المسلمين مع وجود الاختلاف) فقرة هامة أحببنا التنبيه إليها .
والسقط بعد قوله : فما المحذور الشرعي من ذلك التعاون : ( سيبادر أحد بالقول ، ولكن قد يكون الأمر بالمعروف على مذهبهم ، أي فيه نشر لمذهبهم ، وقد يكون بناء المسجد لتقاوم فيه حلقات الذكر ، أو لتدريس عقائد الأشاعرة ونحو ذلك ) ثم يأتي بعد ذلك : فالجواب عندئذ ... إلخ .
(1) أخرجه البخاري ، ح/1915 .
(2) أخرجه البخاري ، ح/1903 .
(3) أخرجه البخاري ، ح/1899 ، ومسلم ، ح/1079 .
(4) أخرجه البخاري ، ح/1904 .
(5) أي شر ووقاية من الآثام والنار (فتح الباري 4/125) .
(6) أخرجه البخاري ، ح/1894 ، 1904 ، 7492 ، ومسلم ح/1151 .
(7) أخرجه البخاري ، ح/1901 .
(8) أخرجه البخاري ، ح/1909 .
(9) انظر : روضة الطالبين (2/207) .
(10) انطر : الفروع (3/14) .
(11) انطر : المحلى (4/373) .
(12) انظر : مجموع فتاوى ابن تيمية (25/105) .
(13) انظر : زاد المعاد (2/38) .
(14) أخرجه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي ، وقال ابن حزم : (هذا خبر صحيح) ؛ وصححه الألباني (انظر الإرواء 4/16) .
(15) أخرجه البخاري ، ح/1914 ، ومسلم ، ح/1082 .
(16) المهذب والمجموع (6/275) .
(17) حديث صحيح أخرجه البخاري معلقاً بصيغة الجزم ، ووصله أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم (انظر فتح الباري 4/144) ومختصر صحيح البخاري للألباني (1/444) .
(18) صحيح أبي داود ، ح/2454 .
(19) انظر مجالس شهر رمضان لابن عثيمين ، ص 66 .
(20) حكاه النووي في المجموع (4/348) .
(21) انظر المغني 4/361 363 ، والمجموع 6/349 ، وحقيقة الصيام لابن تيمية ، ص 23 .
(22) انطر المجموع 6/349 .
(23) حكاه ابن المنذر في كتاب الإجماع ، ص 15 .
(24) صحيح أبي داود ، ح/380 .
(25) حكاه ابن قدامة وغيره ، انطر المغني 4/397 .
(26) أخرجه البخاري ، ح/304 .
(27) أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وغيرهم ، وصححه الإمام أحمد والبخاري والدارمي وغيرهم ، انظر فتح الباري ، 4/409 .
(28) أخرجه البخاري ، ح/5694 .
(29) حقيقة الصيام ، ص 23 .
(30) زاد المعاد ، 2/60 .
(31) الفروع ، 3/47 .
(32) انظر البحر المحيط للزركشي (6/140) .
(33) أخرجه الدارقطني وصححه وأقره البيهقي في السنن الكبرى ، وصححه الألباني (انظر الإرواء 4/73) .
(34) أخرجه الطبراني والدارقطني قال ابن حزم : إسناده صحيح وصححه الألباني (انظر الإرواء
4/74) .
(35) انظر الإرواء 4/75 .
(36) حقيقة الصيام ، ص 37 .
(37) أخرجه البخاري ، ح/6669 .
(38) أخرجه البخاري ، ح/1960 .
(39) انظر حقيقة الصيام ، ص 34 .
رد: شهر رمضان وقفات واحكام
ثامناً : مسائل القضاء :
1- الحائض والنفساء يجب عليهما القضاء بالإجماع [1] ؛ فعن معاذة رحمها الله قالت : سألتُ عائشة رضي الله عنها فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت : أحروريةٌ [2] أنتِ ؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل . فقالت : (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) [3] .
2- المسافر يجوز له الفطر ولو لم يكن عليه مشقة بالصيام لقوله تعالى{ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أََوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أََيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ } [البقرة : 185] .
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح ؟فقال رسول الله : (هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) [4] .
3- من أفطر متعمداً في رمضان بغير عذر فهو آثم إثماً عظيماً ؛ وعليه التوبة إلى الله ، ويجب عليه قضاء ما أفطر على القول الراجح وهو قول الجمهور [5] .
والدليل على وجوب القضاء :
أ - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقضِ) [6] .
ب - قوله -صلى الله عليه وسلم- للمُجامع في نهار رمضان بعد أن ذكر له الكفارة : (وصم يوماً ، واستغفر الله) [7] .
أما إذا كان الإفطار بالجماع فيجب مع القضاء الكفارة وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين .
4- المريض الذي شق عليه الصوم : يجوز له الفطر ؛ بل قد يجب إذا ترتب على صيامه إلحاق ضرر به ، ويقضي ما أفطر ، ومثله في الحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما [8] .
5- العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالشيخ الكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه ، فهذا لا يجب عليه الصوم ، ويجب عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً ، فعن عطاء سمع ابن عباس رضي الله عنه يقرأ : { وَعَلَى الَذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة : 184] ، قال ابن عباس : (ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كلّ يوم مسكيناً) [9] .
6- الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا بلغا الهذيان وعدم التمييز ، لا يجب عليهما الصيام ولا الإطعام ؛ لسقوط التكليف .
الوقفة الخامسة : سنن الصيام :
1- تأخير السحور ؛ لحديث أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : (تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ثم قام إلى الصلاة . قلت : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية) [10] .
2- تعجيل الفطر لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [11] .
3- أن يفطر على رطب ؛ فإن لم يكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن فعلى ماء .
لحديث أنس رضي الله عنه قال : كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) [12] .
4- لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءٌ عند الإفطار إلا ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه : كان رسول الله إذا أفطر قال : (ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله) حديث حسن [13] .
5- أهم السنن وآكدها أكل السحور لقوله : (تسحروا فإن في السحور بركة) [14] ، وقال : (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحَر) [15].
6- أن يكون في سحوره تمر لقوله : (نعم سحور المؤمن التمر) [16] .
7- أن يقول لمن سابه أوشاتمه : إني امرؤ صائم .
8- والسنّة في عدد ركعات التراويح أن لا تزيد عن إحدى عشرة ركعة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) [17] ، والزيادة جائزة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن رجلاً قال : يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف صلاة الليل ؟ قال : مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) [18] .
الوقفة السادسة : زاد الصائم : ينبغي أن يكون شعار المؤمن في رمضان قوله تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة : 197] ، وأن يقتدي بحال النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة) [19] .
وإليك أخي المسلم بعض ميادين المسابقة في الخيرات في رمضان :
1- قيام الليل : فلا تخلو ليلة من قيام ليحصل على الأجر الوارد في قوله : (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [20] ، وأن يصلي التراويح مع الإمام حتى ينتهي لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : صُمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا .
فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل .
فقلت : يا رسول الله : لو نفلتنا قيام هذه الليلة .
قال : فقال : (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسبَ له قيام ليلة) .
قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور .
ثم لم يقم بنا بقية الشهر [21] .
وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه ثلاث ليال ولم يخرج الرابعة خشية أن يفرض عليهم .
وليس معنى ذلك أن يقتصر على صلاة التراويح فقط ؛ فإن أمكنه أن يصلي من آخر الليل وحده فهو من تمام القيام .
2- قراءة القرآن : قال : (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) [22] .
وقال عليه الصلاة والسلام : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنه والحسنة بعشر أمثالها) [23] .
3- تفطير الصائمين : قال : (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) [24] .
4- العمرة : قال : ( ... فعمرة في رمضان تعدل حجة) وفي رواية : (حجة معي) [25] .
5- الصدقة : والنصوص في فضلها مستفيضة من الكتاب والسنة ، وقد اختصها الله تعالى ؛ فكأن المتصدق يقرض الله ؛ ومَنْ أعظمُ وأجزل وفاءً من الله ؟ قال تعالى : { مَن ذَا الَذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } [الحديد : 11] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوّه ، حتى تكون مثل الجبل) ، وهي من أسباب دخول الجنة كما قال : (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) [26] ، واعلم أخي المسلم أن الصدقة لا تنقص المال ، كما ثبت من حديث أبي هريرة مرفوعاً : (ما نقصت صدقة من مال) [27] .
وتأمل معي الحديث التالي : الذي يبين سبب تراجع الكثيرين وترددهم في الصدقة ؛ فعن بريدة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما يُخرج رجلٌ شيئاً من الصدقة حتى يَفك بها لحيي سبعين شيطاناً) [28] ، وبعد هذا العرض المؤثر من نصوص الصدقة أدعوك يا أخي ألا تترك أيّ فرصة للصدقة : على فقير ، أو بناء مسجد ، أو طبع كتاب ، أو غير ذلك ، في البيت ، أو المسجد ، أو في اللجان الخيرية ، حتى تلك الصناديق التي تشاهدها في بعض المحلات التجارية ، ولو أن تضع شيئاً يسيراً لتدحر بها شياطين الجن والإنس ، وتكفر سيئاتك ، وتثقل موازينك يوم القيامة ، فتراها كالجبال العظيمة ، وتفوز كل يوم بدعاء الملائكة ؛ كما ثبت في حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً) [29] .
وما أجمل أن يكون المسلم واسطة خير في الصدقة والزكاة بين الناس ومن يستحقها . عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : (الخازن المسلم الأمين الذي يُنفِّذ ما أُمر به كاملاً موفوراً طيباً بها نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحدُ المتصدقين) [30] .
محاذير وتنبيهات :
1- يمسك بعض الناس قبل الفجر بوقت (عشر دقائق مثلاً) احتياطاً ، وهذا لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ؛ فهو غير مشروع .
2- بعض المؤذنين يحتاط للناس فيؤذن قبل الوقت وهذا خطأ ، والصواب أن يؤذن عند دخول الوقت ؛ فهذا هو المشروع ، وحتى لا يغتر بأذانه بعض النساء في البيوت فيصلين قبل الوقت .
3- بعض الناس في رمضان يصلون بعد الأذان بوقت يسير ؛ والأوْلى أن يتأخروا بوقت تطمئن نفوسهم بدخول الوقت ؛ فقد ثبت أن عدداً من التقاويم غير دقيقة وأنها تسبق دخول الوقت بنحو ربع إلى ثلث ساعة .
4- هذا شهر الصيام وبعض الناس يجعله شهر الطعام ، فتضيع الأوقات الطويلة وخصوصاً على المرأة في صنع ألوان الطعام .
5- الحذر من الوقوع في المحرمات وخصوصاً ما يتفنن به شياطين الإنس من أفلام ومسلسلات .
6- ينبغي على المرأة المسلمة أن تحذر الخروج إلى الأسواق متطيبة ، أو متبرجة ، أو بدون حاجة ، أو بدون محرم ، وكم يتألم المؤمن من امتلاء الأسواق بالنساء ليالي رمضان وخصوصاً في العشر الأواخر منه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
(1) حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع ، ص 47 .
(2) يقال لمن اعتقد مذهب الخوارج : حروري ؛ نسبة إلى حروراء ، وهي بلدة قرب الكوفة ، وكان أول اجتماع للخوارج بها للخروج على عليّ فاشتهروا بالنسبة إليها ، انظر : فتح الباري ، 1/502 .
(3) أخرجه البخاري ، ح/321 ، ومسلم واللفظ له ، ح/335 .
(4) أخرجه مسلم ، ح/1121 .
(5) أخرجه أبو داود ، ح/2363 ، وابن ماجة ، ح/1676 ، وأحمد 2/ 498 ، والدارقطني وقال : رواته ثقات كلهم ، (2/184) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص (1/427) وصححه ابن تيمية في حقيقة الصيام ص 14 ، وقال أحمد شاكر : (إسناده صحيح) ، (شرح المسند 10/111) وصححه الألباني في الإرواء (4/51) .
(6) أخرجه أبو داود ، ح/2376 ، وابن ماجة بلفظ : (وصم يوماً مكانه) ، ح/1671 ، ومالك ، ح/29 وغيرهم ، قال النووي : (رواه البيهقي بإسناد جيد) (المجموع 3/76) وصححه أحمد شاكر في شرح المسند (6/147) والألباني في الإرواء (4/90) .
(7) انظر بداية المجتهد (1/302) .
(8) انظر : مجالس شهر رمضان ، ص 33 ، 36 .
(9) أخرجه البخاري ، ح/4505 .
(10) أخرجه البخاري ، ح/922 .
(11) أخرجه البخاري ، ح/1957 ، ومسلم ، ح/1098 .
(12) صحيح أبي داود ، ح/2356 .
(13) صحيح أبي داود ، ح/2357 .
(14) أخرجه البخاري ، ح/1923 ، ومسلم ، ح/1095 .
(15) أخرجه مسلم ، ح/1096 .
(16) صحيح أبي داود ، ح/ 2345 .
(17) أخرجه مسلم ، ح/738 .
(18) أخرجه البخاري ، ح/1137 .
(19) متفق عليه .
(20) متفق عليه .
(21) صحيح أبي داود ، ح/1375 .
(22) أخرجه مسلم ، ح/804 .
(23) صحيح الترمذي ، ح/3087 .
(24) صحيح النسائي ، ح/811 .
(25) متفق عليه .
(26) متفق عليه .
(27) أخرجه مسلم ، ح/2588 .
(28) السلسلة الصحيحة ، ح/1268 .
(29) أخرجه البخاري ، ح/1442 .
(30) أخرجه البخاري ، ح/1438 .
1- الحائض والنفساء يجب عليهما القضاء بالإجماع [1] ؛ فعن معاذة رحمها الله قالت : سألتُ عائشة رضي الله عنها فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت : أحروريةٌ [2] أنتِ ؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل . فقالت : (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) [3] .
2- المسافر يجوز له الفطر ولو لم يكن عليه مشقة بالصيام لقوله تعالى{ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أََوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أََيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ } [البقرة : 185] .
وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح ؟فقال رسول الله : (هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) [4] .
3- من أفطر متعمداً في رمضان بغير عذر فهو آثم إثماً عظيماً ؛ وعليه التوبة إلى الله ، ويجب عليه قضاء ما أفطر على القول الراجح وهو قول الجمهور [5] .
والدليل على وجوب القضاء :
أ - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقضِ) [6] .
ب - قوله -صلى الله عليه وسلم- للمُجامع في نهار رمضان بعد أن ذكر له الكفارة : (وصم يوماً ، واستغفر الله) [7] .
أما إذا كان الإفطار بالجماع فيجب مع القضاء الكفارة وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين .
4- المريض الذي شق عليه الصوم : يجوز له الفطر ؛ بل قد يجب إذا ترتب على صيامه إلحاق ضرر به ، ويقضي ما أفطر ، ومثله في الحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما [8] .
5- العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالشيخ الكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه ، فهذا لا يجب عليه الصوم ، ويجب عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً ، فعن عطاء سمع ابن عباس رضي الله عنه يقرأ : { وَعَلَى الَذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة : 184] ، قال ابن عباس : (ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كلّ يوم مسكيناً) [9] .
6- الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا بلغا الهذيان وعدم التمييز ، لا يجب عليهما الصيام ولا الإطعام ؛ لسقوط التكليف .
الوقفة الخامسة : سنن الصيام :
1- تأخير السحور ؛ لحديث أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : (تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ثم قام إلى الصلاة . قلت : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية) [10] .
2- تعجيل الفطر لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [11] .
3- أن يفطر على رطب ؛ فإن لم يكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن فعلى ماء .
لحديث أنس رضي الله عنه قال : كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) [12] .
4- لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءٌ عند الإفطار إلا ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه : كان رسول الله إذا أفطر قال : (ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله) حديث حسن [13] .
5- أهم السنن وآكدها أكل السحور لقوله : (تسحروا فإن في السحور بركة) [14] ، وقال : (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحَر) [15].
6- أن يكون في سحوره تمر لقوله : (نعم سحور المؤمن التمر) [16] .
7- أن يقول لمن سابه أوشاتمه : إني امرؤ صائم .
8- والسنّة في عدد ركعات التراويح أن لا تزيد عن إحدى عشرة ركعة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) [17] ، والزيادة جائزة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن رجلاً قال : يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف صلاة الليل ؟ قال : مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) [18] .
الوقفة السادسة : زاد الصائم : ينبغي أن يكون شعار المؤمن في رمضان قوله تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة : 197] ، وأن يقتدي بحال النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة) [19] .
وإليك أخي المسلم بعض ميادين المسابقة في الخيرات في رمضان :
1- قيام الليل : فلا تخلو ليلة من قيام ليحصل على الأجر الوارد في قوله : (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [20] ، وأن يصلي التراويح مع الإمام حتى ينتهي لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : صُمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا .
فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل .
فقلت : يا رسول الله : لو نفلتنا قيام هذه الليلة .
قال : فقال : (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسبَ له قيام ليلة) .
قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور .
ثم لم يقم بنا بقية الشهر [21] .
وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه ثلاث ليال ولم يخرج الرابعة خشية أن يفرض عليهم .
وليس معنى ذلك أن يقتصر على صلاة التراويح فقط ؛ فإن أمكنه أن يصلي من آخر الليل وحده فهو من تمام القيام .
2- قراءة القرآن : قال : (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) [22] .
وقال عليه الصلاة والسلام : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنه والحسنة بعشر أمثالها) [23] .
3- تفطير الصائمين : قال : (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) [24] .
4- العمرة : قال : ( ... فعمرة في رمضان تعدل حجة) وفي رواية : (حجة معي) [25] .
5- الصدقة : والنصوص في فضلها مستفيضة من الكتاب والسنة ، وقد اختصها الله تعالى ؛ فكأن المتصدق يقرض الله ؛ ومَنْ أعظمُ وأجزل وفاءً من الله ؟ قال تعالى : { مَن ذَا الَذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ } [الحديد : 11] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوّه ، حتى تكون مثل الجبل) ، وهي من أسباب دخول الجنة كما قال : (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) [26] ، واعلم أخي المسلم أن الصدقة لا تنقص المال ، كما ثبت من حديث أبي هريرة مرفوعاً : (ما نقصت صدقة من مال) [27] .
وتأمل معي الحديث التالي : الذي يبين سبب تراجع الكثيرين وترددهم في الصدقة ؛ فعن بريدة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما يُخرج رجلٌ شيئاً من الصدقة حتى يَفك بها لحيي سبعين شيطاناً) [28] ، وبعد هذا العرض المؤثر من نصوص الصدقة أدعوك يا أخي ألا تترك أيّ فرصة للصدقة : على فقير ، أو بناء مسجد ، أو طبع كتاب ، أو غير ذلك ، في البيت ، أو المسجد ، أو في اللجان الخيرية ، حتى تلك الصناديق التي تشاهدها في بعض المحلات التجارية ، ولو أن تضع شيئاً يسيراً لتدحر بها شياطين الجن والإنس ، وتكفر سيئاتك ، وتثقل موازينك يوم القيامة ، فتراها كالجبال العظيمة ، وتفوز كل يوم بدعاء الملائكة ؛ كما ثبت في حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً) [29] .
وما أجمل أن يكون المسلم واسطة خير في الصدقة والزكاة بين الناس ومن يستحقها . عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : (الخازن المسلم الأمين الذي يُنفِّذ ما أُمر به كاملاً موفوراً طيباً بها نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحدُ المتصدقين) [30] .
محاذير وتنبيهات :
1- يمسك بعض الناس قبل الفجر بوقت (عشر دقائق مثلاً) احتياطاً ، وهذا لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ؛ فهو غير مشروع .
2- بعض المؤذنين يحتاط للناس فيؤذن قبل الوقت وهذا خطأ ، والصواب أن يؤذن عند دخول الوقت ؛ فهذا هو المشروع ، وحتى لا يغتر بأذانه بعض النساء في البيوت فيصلين قبل الوقت .
3- بعض الناس في رمضان يصلون بعد الأذان بوقت يسير ؛ والأوْلى أن يتأخروا بوقت تطمئن نفوسهم بدخول الوقت ؛ فقد ثبت أن عدداً من التقاويم غير دقيقة وأنها تسبق دخول الوقت بنحو ربع إلى ثلث ساعة .
4- هذا شهر الصيام وبعض الناس يجعله شهر الطعام ، فتضيع الأوقات الطويلة وخصوصاً على المرأة في صنع ألوان الطعام .
5- الحذر من الوقوع في المحرمات وخصوصاً ما يتفنن به شياطين الإنس من أفلام ومسلسلات .
6- ينبغي على المرأة المسلمة أن تحذر الخروج إلى الأسواق متطيبة ، أو متبرجة ، أو بدون حاجة ، أو بدون محرم ، وكم يتألم المؤمن من امتلاء الأسواق بالنساء ليالي رمضان وخصوصاً في العشر الأواخر منه .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
(1) حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع ، ص 47 .
(2) يقال لمن اعتقد مذهب الخوارج : حروري ؛ نسبة إلى حروراء ، وهي بلدة قرب الكوفة ، وكان أول اجتماع للخوارج بها للخروج على عليّ فاشتهروا بالنسبة إليها ، انظر : فتح الباري ، 1/502 .
(3) أخرجه البخاري ، ح/321 ، ومسلم واللفظ له ، ح/335 .
(4) أخرجه مسلم ، ح/1121 .
(5) أخرجه أبو داود ، ح/2363 ، وابن ماجة ، ح/1676 ، وأحمد 2/ 498 ، والدارقطني وقال : رواته ثقات كلهم ، (2/184) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص (1/427) وصححه ابن تيمية في حقيقة الصيام ص 14 ، وقال أحمد شاكر : (إسناده صحيح) ، (شرح المسند 10/111) وصححه الألباني في الإرواء (4/51) .
(6) أخرجه أبو داود ، ح/2376 ، وابن ماجة بلفظ : (وصم يوماً مكانه) ، ح/1671 ، ومالك ، ح/29 وغيرهم ، قال النووي : (رواه البيهقي بإسناد جيد) (المجموع 3/76) وصححه أحمد شاكر في شرح المسند (6/147) والألباني في الإرواء (4/90) .
(7) انظر بداية المجتهد (1/302) .
(8) انظر : مجالس شهر رمضان ، ص 33 ، 36 .
(9) أخرجه البخاري ، ح/4505 .
(10) أخرجه البخاري ، ح/922 .
(11) أخرجه البخاري ، ح/1957 ، ومسلم ، ح/1098 .
(12) صحيح أبي داود ، ح/2356 .
(13) صحيح أبي داود ، ح/2357 .
(14) أخرجه البخاري ، ح/1923 ، ومسلم ، ح/1095 .
(15) أخرجه مسلم ، ح/1096 .
(16) صحيح أبي داود ، ح/ 2345 .
(17) أخرجه مسلم ، ح/738 .
(18) أخرجه البخاري ، ح/1137 .
(19) متفق عليه .
(20) متفق عليه .
(21) صحيح أبي داود ، ح/1375 .
(22) أخرجه مسلم ، ح/804 .
(23) صحيح الترمذي ، ح/3087 .
(24) صحيح النسائي ، ح/811 .
(25) متفق عليه .
(26) متفق عليه .
(27) أخرجه مسلم ، ح/2588 .
(28) السلسلة الصحيحة ، ح/1268 .
(29) أخرجه البخاري ، ح/1442 .
(30) أخرجه البخاري ، ح/1438 .
مواضيع مماثلة
» وقفات للصائمين والصائمات
» رمضان والقــــــرآن
» كيف نستقبل رمضان
» رمضان بثوب جديد
» رمضان فضائل وتوجيهات
» رمضان والقــــــرآن
» كيف نستقبل رمضان
» رمضان بثوب جديد
» رمضان فضائل وتوجيهات
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى